search

آل الحزقي ... معدن التبر الخالص

أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: "الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف".

رغم أن جوهر بن مبارك قد التحق بالجامعة وأنا لا زلت فيها، إلا أن ذاكرتي لا تحتفظ باسمه، ربما يعود ذلك لأنه درس في كلية الحقوق وأنا في كلية الآداب. لكن نجمه سطع بعد الثورة من خلال حركيته الفوارة، ومن خلال شبكة دستورنا التي كان يرأسها، ومن خلال بروزه كخصم سياسي للإسلاميين وخاصة لحركة النهضة.

أما الأب عزالدين الحزقي فأول معرفتي به كانت في إضراب الجوع الذي نظمه مواطنون ضد الانقلاب. كانت فرصة ثمينة كي أستمع إلى الرجل وأراقب حركته وتفاعلاته.

وأما دليلة مصدق فقد "اكتشفتها" خاصة بعد اعتقال شقيقها جوهر.

كما هي عادتي أتجنب افتعال المناسبة أو الطريقة للتقرب من الناس وتقديم نفسي لهم، وأترك الأمر إلى المناسبات الطبيعية التلقائية، لكنني أهتم بالمقابل بالتعرف عن بعد وأستمع وأقرأ لمن يهمني معرفتهم. ولحد اللحظة لا زالت معرفتي بآل الحزقي غير مباشرة ... عدا مصافحة عابرة مع دليلة منذ أيام لدى مشاركتها في ندوة في باريس.

لكنني أزعم أنني عرفت سي عزالدين وجوهر ودليلة بما فيه الكفاية، ما يجعلني قادرا على قول كلمة حق في هذا الثالوث "المبارك".

وقد وجدتني مباشرة أستحضر الحديث النبوي الشريف الذي صدرت به هذا النص.

"الناس معادن" ... فعلا الناس معادن ... بل لا يكفي أن يكون المعدن نفيسا كالذهب والفضة، ذلك أن معادن الذهب أيضا تختلف في ما بينها بحسب حجم ونوعية وكثافة وصفاء الذهب الذي فيها. هناك معادن ذهب ولكن استخراجه منها عسير وقليل، وهناك معادن الذهب فيها كثير ونفيس واستخراجه سهل وميسور ... كذلك الرجال ( وليس الذكور).

وهؤلاء "الرجال" من الطبيعي أن تلتقي أرواحهم طال الزمان أو قصر مع "رجال" في حجمهم ... في مروءتهم وفي عزتهم وفي شهامتهم ... في وقوفهم إلى جانب الحق،وجانب العدل، وجانب الحرية.

يدورون مع الحق حيث دار، ومع العدل حيث يجب، ومع الحرية حيث تراد. لا يستنكفون عن الرجوع للحق إذا أسفر وجهه، ولا يضيرهم أن كانوا على موقف مخالف يوما ما، لأنهم لم يتخذوه لذاته وإنما لأنه بدا لهم أنه الحق، فلما تبين لهم غيره تركوه دون أن يتركوا حماسهم الشديد ونضالهم القوي وإقدامهم الجلي.

استمعت جيدا لحديث سي عزالدين، وقرأت ما يكتب، وقرأت واستمعت لشهادات كثيرة عن مواقفه، وعرفت شيئا من سيرته منذ شبابه، فلم أجد فيها إلا طهارة المناضل الحر، وعفة المجاهد الصادق، الذي ينشد الحق والخير والجمال.

ورأيت رجلا يعرف قدر الرجال، وينتصر للمناضلين من أي وجه سياسي كانوا، ولا يتلعثم لسانه في قول شهادة الحق وفي قول ما يراه حقا.

ورأيت رجلا لا يهاب أن يقول للظالم يا ظالم، ولا يهاب أن يتقدم الصفوف، ولا يستنكف أن يقطع طريق الحرية ولو كان وحده.

وقد شهدت في إضراب الجوع، أول لقاء له مع الشيخ راشد الغنوشي، ورأيت قامة كبيرة تقدر القامات الكبار وتنزلهم منازلهم.

رأيت رجلا مثقفا عميقا، وعقلا ثاقبا حصيفا، وقلبا حيا دافقا بالحب والعطاء، وشعلة من الحركة رغم العمر المتقدم يغبطه عليها الشباب.

ولا عجب أن ينجب هذا "المعدن النفيس" معادن مثله. فجوهر ودليلة قد أخذا من عزالدين الكثير الكثير ...

لا يعنيني وليس مطلوبا أن يكون عزالدين وجوهر ودليلة يشتركون معي أو أشترك معهم في كل رأي أو موقف أو انتماء سياسي أو إيديولوجي ... ما يعنيني ويكفيني هو ما يحملونه من قيم الرجولة والمروءة والشهامة وحب الوطن والانتصار للحرية والعدالة والكرامة ... تلك القيم كافية وزيادة لأن يكون آل الحزقي مثالا ومنارا لرفاق الطريق اللاهب في سبيل تونس حرة أبية حاضنة لكل أبنائها، واعدة بمستقبل زاهر لشبابها، وفية لشهدائها .

سي عزالدين أنت فخر لتونس ... وحق لك أن تفخر أنك أنجبت لتونس جوهر ودليلة من معدنك الأصيل.

سيخرج جوهر من سجن الظلمة مرفوع الهامة كما كان دائما، وسيسقط الانقلاب لا محالة، وستستعيد الثورة ألقها لا محالة، وستنعم تونس بالحرية والكرامة، وكما خلقنا أحرارا سنعيش أحرارا ... رغم الداء والأعداء.

تاريخ أول نشر 2024/6/19