الإنقلاب يسير بنا إلى نفس لحظة 17\14 وقبلها لحظة 7 نوفمبر ... ما الذي يضمن أنه لن يسحب البساط من تحتنا من جديد ... وأننا لن نعيد نفس أخطائنا ... هذا هو جوهر الاختلاف والذي يجري تهميش الحديث حوله في إثارة قضايا جزئية جدا ولا معنى لها أمامه ...
عوض إثارة زوابع من الصراخ والضجيج الأجوف حول من تضامن ومن شمت! وأن تجعلوا من زفرات من طعنتموهم من أمام ومن خلف، ولم تشعروا بأي تأنيب ضمير وهم تنتهك أعراضهم، ولم يرف لكم جفن وأمامكم شيخ ثمانيني يقاد إلى السجن وينكل به، بل كان بعضكم لا يتورع عن إعلان أسفه الشديد بل وحنقه الشديد على أن الانقلاب يقوده للسجن بتهمة ستكون له وساما ... كنتم ستفرحون لو أنه اقتيد للسجن بتهمة القتل والسرقة ... ما كان يهمكم هو التهمة فقط !!!
يا جماعة .... لن نحتاج إلى اعتصار الذاكرة كي نستعيد ما قلتم وما كتبتم ... كله مسجل ... مجرد تحريك فأرة الحاسوب كفيلة بأن تخرج لنا كل شيئ ... حتى قسمات وجوهكم التي تعبر عن طفح الحقد والشماتة مسجلة ...
كيف لكم أن ألا تخجلوا وأنتم تريدونها حربا شعواء على من تضمان ومن لم يتضامن ومن شمت ومن لم يشمت ؟؟؟؟
هؤلاء الذين تقيمون الدنيا ولم تقعدوها على رد فعلهم الذي فرضته الجروح الغائرة التي ملأت كل شبر في أجسادهم ومشاعرهم منكم، وبلغت حجما وعمقا لا يختلف عما فعلته قوى الثورة المضادة بل أشد ... هؤلاء هم من تناسوا صبيحة 15 جانفي ما فعلتم بهم، ومدوا أيديهم لكم، واستمرت أياديهم ممدودة لكم، وكضموا غيضهم، وقامت قيادتهم بكل ما لديها من تأثير معنوي عليهم، كي تصرف طاقتهم في كل ما هو إيجابي في عقيدتهم من الصفح وخفض الجناح والتجاوز ...
يا سادة ... يا إخوتنا في الدين والوطن ... أرونا ما يطمئننا أنكم استوعبتم الدرس، وأنكم لن تعيدوا العجلة للوراء من جديد، وأنكم لن تنقذوا نظام الفساد والاستبداد من جديد، وأنكم لن تعيدوا من جديد رفع شعار: "كذاب ربيعة خير من صادق مضر".
قلت ولا زلت أصر على القول ... لو تقدمتم شبرا لتقدم الاسلاميون إليكم ذراعا، ولو تقدمتم ذراعا لتقدم إليكم الاسلاميون باعا ... ولو جئتم حبوا لأتوكم هرولة ... ولو عبرتم عن استعداد صريح لتجاوز الماضي لوجدتموهم أكثر استعدادا، ولو خطوتم نصف خطوة جادة للنقد الذاتي لوجدتموهم أمامكم بخطوات ... وقد قاموا من قبل بذلك، ولكنكم لم تفعلوا بعد، ما عدا القليل من الأفراد المستقلين فيكم ...
ومع كل ما نفث من صدور المجروحين وما صدر عن ألسنتهم وأقلامهم من تذكير بماض بئيس، فهناك ما يوازي عددهم ممن لا زالوا يتحاملون على أنفسهم، ولا ينفكون من الدعوة إلى التجاوز وإفراغ القلوب من البغضاء والإحن، لأنها في كل الحالات لن تبني وطنا ... ولديهم في سيرة المصطفى ما يعزز رأيهم حين صفح وتجاوز. فأرونا - يا إخواننا - أنتم من أخلاق أهل الجاهلية شيئا يطمئننا، حين بادلوا الصفح والعفو بالشهامة والرجولة وعدم نقض العهد ... وحفظ لنا التاريخ ذلك حين ارتدت غالب قبائل العرب ولكن قريشا حفظت العهد فلم تخن ولم تغدر ...
هذا وطن يتسع للجميع فعلا، وما يجمع أبناءه أكثر مما يفرقهم، لكن اتساعه قد يضيق ويضيق جدا، إذا ضاقت النفوس، وإذا واصلت فئة قليلة طبع الله على قلبها كيدها بالليل والنهار، ووضعت أيديها في أيدي أعداء شعبها وأمتها ... للأسف هذا واقع لا تطالبون بإنكاره، ولا تحاولوا تبييض وجوههم كي تفرضوا علينا قبولهم فلن تبيض وجوه قوم مردوا على النفاق.
تاريخ أول نشر 12\5\2024