تعود علاقتي بالكاتب و المفكر الإسلامي عماد الدين خليل إلى سنوات الدراسة الثانوية. فقد التهمت كتبه التي وصلت إلينا وهي فكرية وأدبية .... وتأثرت أيما تأثر بكتابيه : تهافت العلمانية و في النقد الاسلامي المعاصر .
وقد مثل عماد الدين خليل لدي منحى جديدا في الكتابة ومنهجا جديدا سواءا في نقد العلمانية والفكر الغربي أو التناول المختلف و"المستجد" للادب والفن .
أعترف انه شكل عنصرا فارقا في تكويني ساعدني على التعامل من زوايا غير تقليدية للاتجاهات الفكرية السائدة في تلك الفترة وأيضا لمتطلبات التعامل المعاصر مع قضايا الادب والفن .
وجدت من خلال المذكرات صدى الكتابين من خلال سيرة رجل منفتح على العالم، مقبل على الحياة في أريحية وبدون عقد، يغرف من كل شيئ ما يفيده، ودون أن يفقد حاسته النقدية الحاضرة دائما لكل ما يراه بعيدا عن المنهج العقدي الذي ارتضاه، ودون أن يكتفي بالهجوم على الخصوم وإنما يبذل جهدا في تقديم النقد واجتراح البديل وكل ذلك دون تنفير أو تكفير .
وقد تملكني العجب من ذاكرته التي لا تكاد تفلت منها حركة أو لحظة أو اسم أو نوع ... شيئ غريب فعلا .... رجل لا تكاد تفلت منه مناسبة اجتماعية او مسلسل أو مباراة رياضية أو سهرة عائلية أو سهرة مع الاصدقاء في المقاهي وبعضها حتى آخر الليل والخرجات والرحلات والجولات .... ومع ذلك يكتب بدون انقطاع وينشر بدون توقف .... يرتاد القضايا المتشعبة ويكتب بتجديد .... تخصص في مجال التاريخ وخاصة ما بين سقوط بغداد و تحرير بيت المقدس ... كما تخصص في الادب وحمل على نفسه مسؤولية التأسيس أو المساهمة في تأسيس الادب الاسلامي ... ونشر الروايات والقصص و دواوين الشعر وكتب النقد الادبي .... وهو في كلا التخصصين يكتب مستوعبا ومستفيدا وناقدا من الفكر العربي قديمه وحديثه ومن الفكر الغربي .... تجاوزت إصداراته 90 مؤلفا ولا زال يكتب .... وقد أخبرني صديقي محمد بن نصر انه سينشر كتابا بعنوان " سنتين تحت حكم داعش" ... فقد عاش التجربة ... باعتباره موصليا ...
يعتبر عماد الدين خليل قبل ظهور مجموعة كتاب الثمانينات الاسلاميين ( محمد عمارة،عادل حسين،فهمي هويدي،جماعة المسلم المعاصر،مجموعة الشقاقي،...) كاتبا متميزا ومختلفا في ساحة الكتاب الاسلاميين حينها، ولكنه استطاع الصمود بعد ذلك، وقد ساعده على ذلك سعة اطلاعه وانفتاحه الفكري والاجتماعي .
حين أقرأ تجربته في الكتابة ونصائحه .... أتأسف -ولا ينفع الأسف- على جيلنا من الاسلاميين الذين استهلكتنا ساحة العمل المباشر السياسي والتنظيمي، وتخلفنا تخلفا مريعا في ساحة التأليف والنشر ... طاقات متوقدة وقادرة على إنجاز المشاريع العلمية، قضت علينا المثالية وسحقتنا الممارسة السياسيوية .... التونسيون بطبيعتهم ضيقوا النفوس، ومثاليون، وقليلوا الكتابة، وكنا نحن وجه التونسيين الاكثر تطرفا...
مبادراتنا الفكرية تعد على اصابع اليد الواحدة، ومبادراتنا الأدبية أقل .... معلوم اننا ننقد الشرقيين في ما ندعي من "ثرثرتهم" وهذا طبعا لا يصح فيه التعميم - والعراقيون لا يعدون من أهل الثرثرة في الكتابة- .... لكننا بخيلون وكسالى ... قليلو القراءة ومشحون في الكتابة .... جيل ذهبي كان يمكن أن يصنع الكثير في عالم الكتابة والتنظير .... فهلا استدركنا ؟؟؟