كتبت منذ أيام أن الجماهير الرياضية قدمت للقضية ما لم تقدمه النخب والدول العربية ... الجماهير الرياضية تعني أساسا الجماهير الشبابية ... لا شك أن فيهم طلبة وتلاميذ ... لكنهم ليسو كلهم كذلك ....
أين طلاب الجامعات التونسية الذين كانوا في زمن ما يحركون السواكن في أجهزة الدولة ويثيرون الضجة لدى النخب ويفرضون على ساحة الوطن أن تتحرك ... وإذا خرجو من حرمهم الجامعي لشوارع العاصمة أربكوا الجميع ... كان يتابع تحركاتهم الجميع ... التونسيون والأجانب الذين يراقبون حراك الشارع ... كانوا ينقلون خطبهم ونصوصهم ويتابعون تحركاتهم ...
وإذا كان الحرم الجامعي وساحة المركب الجامعي (الكومبيس) أرضهم المحررة التي يقولون فيها ما لا يجرأ أن يقوله أحد خارجها ... و"حجرة سقراط" في كلية الحقوق لا تعلوها إلا الأصوات الرافضة الصادحة بكل الحقيقة التي لا يقال عشرها خارجها ... فإنهم كانوا يقتحمون عالم الصحافة وعالم التحركات الثقافية واجتماعات المعارضة وتحركات اتحاد الشغل، ويخترقون بجرأتهم "المحرمات" التي يتحرك البقية في سقفها ولا يخترقونها إلا مواراة.
كان الطلبة المنضوون في أحزاب سياسية تتحرك بقيود القانون والواقع القمعي، يحتفظون لأنفسهم بمسافة عما يخضع له أحزابهم، فيكونون أكثر جرأة في التعبير عن مواقفهم، وأكثر استعدادا لممارسة الضغط وتحمل التكلفة ... وربما وجدت بعض الأحزاب في أجنحتها الطلابية ما يعد "مخالب" تدفع بها حدة القمع المسلط عليها.
اليوم تنفتح للطلاب فرصة استعادة الزخم، وإعادة اكتشاف الوعي، ووصل الحاضر بالماضي ... لقد كشفت الحرب التي تخوضها المقاومة، أن ما كانت ترفعه الحركة الطلابية في السبعينات والثمانينات، لم يكن شعارات شعبوية ولا أفكار متطرفة بل كانت هي الحقيقة الساطعة ... كانت شعارات التحرر الحقيقي والتحرير الحقيقي، التي ووجهت في العشرية الاخيرة من القرن المنصرم وما بعده بإيديولوجيا الانسلاخ عن تلك الشعارات أو تعويمها في بحر إيديولوجيا اللبرلة، وكان الهدف القضاء على إيديولوجيا التحرر والتحرير، مما جعل الثورة التي فاجأت الجميع تواجه أعداءها بغير سلاحها الحقيقي فتعثرت بعد طول مقاومة ....
أيها الطلاب ... أنتم الطليعة القادرة على حمل أحلام التغيير وتحمل تكاليفها في الواقع ... أنتم الأمل في استعادة روح التحرر والتحرير، فلا تحمل الأحلام إلا الأارواح والعواطف الجياشة ... لا تغيير إلا بمغامرة ... لا تغيير إلا باقتحام العقبة ... وأنتم كل ما فيكم مؤهل لذلك ... أجسام في عنفوانها، وعواطف في عنفوانها، وعقول لم "تتبلد" بالحكمة الزائفة، وتخفف من التزامات تأمين الرزق ورعاية الأسرة ... حتى الحب والعشق يتحول عندكم إلى طاقة للفعل يعزز مقاومتكم على نحو ما قال عنترة.
فأعيدوا لقلاع الجامعة التونسية مجدها ... وللطلبة تاريخا مضيئا من الطهر والنبل والمقاومة ... جاءتكم لحظة فاغتنومها ... من هنا يبدأ مستقبلكم ... وهناك ... عندكم... يسطر مستقبل بلدكم والأمة.
تاريخ أول نشر 2023/11/16