search

إرادة الشعوب غلابة ... وقد أفلح من عرف كيف يتعامل معها

لن أقول ان شعب تونس لا يصلح للديمقراطية ... ولكن أقول ان الشعوب كالإنسان الفرد ... حياته هي الأصل، وأمنه وعيشه هو الأصل ... يحسب كثيرا لضمان سلامته، ويخضع لحكم الضرورة إذا هدد في أمنه ورزقه ... وقد يخطئ كما يخطئ كل إنسان في تقدير الضرورة ... وقد ينزل الحاجة منزلة الضرورة.

والشعوب كما الانسان الفرد .. هناك المغامر وهناك الحذر، وهناك البراجماتي وهناك المبدئي .... و"الشاطر" قد يغلط ويخدع .... وقد يؤتى من فرط ظنه بنفسه ... وقد يؤتى من فرط ثقته بالآخر . والثقة ليست كلها حساب العقل، فقد يكون فيها من ميل الهوى، وقد يكون فيها من عدم وجود البديل ... والشعوب فيها ما في الانسان من الذكاء ومن السذاجة ... وإنك لواجد في أذكى الأذكياء مساحة ما للسذاجة والغفلة، كما تجد عند الأكثر سذاجة مناطق تشع بالذكاء والفطنة ...

ولكي تحسن التعامل مع شعب ما، عليك ان تفهم شخصيته الأساس، مزاجه وطبعه، ارومته واصوله ... ولن يفيدك في شيئ نعي شعب ما او كيل الشتائم تجاهه، خاصة إذا كان ذلك الشعب هو شعبك التي أنت منه، وتحمل في جيناتك خصائصه. ولو تأملت نفسك كل التأمل لرأيت انك تحمل منه في شخصيتك كل خصائصك .... يمكن لك ان تدرك ذلك في التجمعات الصغرى سواء السكنية أو الجغرافية ، أو السياسية والاجتماعية والثقافية، أو حتى تلك العفوية : تجمع حول حادث ما، مباراة كرة، مهاجرين في بلاد الغربة ... إسأل مثلا جزائري أو كندي خالط التوانسة وقل له صفهم لي ... لن يجيبك بأن فلان جيد وفلان سيئ .... سيعطيك حكما عاما يميز التوانسة مع انه قد يقع في التعميم وقد يتاثر بحادث شخصي له ....

والأهم في التعامل مع الشعوب والافراد ليس الحكم المعياري على افكارهم وإنما تبين قناعاتهم ... لك ان تحكم كما تريد على تلك القناعات ولكن في الأخير قناعاتهم هي التي يحكمون بها على الاشياء ... وعدم أخذ ذلك بعين الاعتبار يعني سقوط ما تخطط له معهم.... والقناعات مزيج معقد من الموروث والمكتسب ومن عمل العقل والقلب ... من الرغبات ومن الحاجات ... من الطبيعة الراسخة في ألأعماق ومن الحاجات المفروضة بسطوة المكان والزمان ... غير ان الثابت من القناعات هو حكم المكان والزمان في سيرورته وحيث الصيرورة لا تكاد ترى ... لذلك ينبؤنا التاريخ عن ذلك التونسي الذي برغم كل التغيرات التي حدثت له واهمها تغيير بنيته السكانية وامتزاج اصوله واعراقه ... برغم كل ذلك لا زالت سماته هي هي في جوهرها ... ف"عجب الذنب" واحد، هو هو لم يتغير ...

ذلك ما تنبؤنا به الانتروبولوجيا والجيوبوليتيكا ...

افلح من فهم شعبه وعرف كيف يتعامل معه، وخسر من اراده مركوبا كائنا من كان ... خاسر لا محالة حتى لو ظفر من الشعب بلحظة استكانة ... فلن تدوم ... لأن إرادة الشعوب غلابة ... تستوعب التغيير ثم تكيفه على مزاجها الثابت ... هكذا قدرها الله ...

تاريخ أول نشر 2022/7/5