نزلت مصيبة الانقلاب على قوى الثورة، وهي في اسوء حالة من حالات التهارش والتصارع والتنافي، حتى خيل لبعضها ان الخير في الانقلاب لا في من تم الانقلاب عليه ... عشر سنوات من الاثخان في الجسد الثوري، اشتغلت عليها الثورة المضادة، التي احتفظت بمقدراتها المالية، ومواقعها الحساسة في اجهزة الدولة، وعلاقاتها الممتدة مع الخارج، وباستثمارها الاستثمار الاقصى في الإعلام، وبقدرتها على انتزاع قوى كان من المفروض ان تكون في صف الثورة، لكنها رضيت بدور وظيفي إقصائي استئصالي تخريبي ... لم تقدر قوى الثورة خطورة ما دبر لها، ولم تقدر تحول ميزان القوى لصالح الثورة المضادة، واستمرت في تقدير خطورة مع يقوم به خصومها من قوى الثورة، على ما تقوم به الثورة المضادة ... سقط الجميع في تلك الحمأة، كل من زاوية نظر معينة، ولكن المحصلة واحدة: النجاح في تخريب ما يبنون، وفتح الطريق لمن ثاروا عليهم !
سنتان من الانقلاب بالكاد حركتا المعادلة ... لا زال التوجس من القريب غالب على التحوط من البعيد ... ذلك "البعيد" الذي لم يقصر في توفير شروط عودة الروح لأصل المعادلة : الثورة/ الثورة المضادة ... الديمقراطية/ الاستبداد ... دستور الثورة / "الزمام الاحمر"
قال المعري : لا إمام سوى العقل ... ولكني أقول : لا إمام سوى القلب ... عندما "يعقل" القلب، تتحول المعادلة وتأخذ طريق الحرية ...
التواجد الأول من نوعه لقوى الثورة مجتمعة أمس، كما نوه بذلك وسام الصغير الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري، في وقفة مساندة المختطفين والمطالبة بإطلاق سراحهم، والحفل التلقائي لاستقبال شيماء عيسى والازهر العكرمي، مؤشر على تحول في المعادلة بعد محاولات مضنية لمدة سنتين ... مرحلة يجب البناء عليها والصبر على كل المكونات فيها ... كتبنا وكتب غيرنا في ضرورة النقد الذاتي من الجميع، حتى يكون البناء سليما ... ولكن طبيعة العقل النخبوي بعيدة عن عمليات التفكيك المؤلمة تلك، ويفضل الضمني على الصريح ... من العبث انتظار خطوات خارج ما تتيحه البنية النفسية الثقافية ... لذلك من الحكمة ان يقع التعامل معها كمعطى من اجل الوصول إلى وفاق وطني لأبناء الثورة ...
ما حصل بالأمس خطوة إلى الأمام ... مهما يكن ما علينا قطعه من خطوات ... فالمهم ان البداية صحيحة ...
يسقط الانقلاب واعوانه وسدنته ومن خلفه...
نعم لتونس الحرية والديمقراطية والمدنية...
تاريخ أول نشر 2023/7/14