search

افتتاح المسجد الكبير بتيرانا ... حلم عمره 32 سنة!

أخيرا تحقق حلم المسلمين الألبان وخاصة أهالي العاصمة تيرانا، حيث تم افتتاح المسجد الكبير في قلب العاصمة تحت إشراف الرئيس التركي رجب طيب أردغان ورئيس الوزراء الألباني إيدي راما.

طال انتظار مسلمي تيرانا، وخيم عليهم خلال كل تلك السنوات الشعور بالمرارة والغبن بل وحتى بالظلم الشديد. ففي حين تمكنت الطوائف الدينية الأخرى من بناء معابدها بكل سهولة ويسر وبعضها بدعم الدولة كالأرتودوكس والكاتوليك، كما استطاعت الطريقة البكتاشية أن تبني تكيتها بيسر على أرضها التي استرجعتها من الدولة، لا بل وصل الأمر حتى للطائفة البهائية التي ليس لها جذور في ألبانيا حيث تمكنت من بناء مركزها، ناهيك عن الطوائف المسيحية الأخرى التي دخلت ألبانيا خاصة بعد سقوط الشيوعية.

وحدهم المسلمون وجدوا العراقيل المفتعلة لتعطيل بناء مسجدهم الكبير على أرضهم التي كانت مصلى العيد قبل إعلان ألبانيا الإلحاد مع النظام الشيوعي. استطاع النظام الشيوعي أن يلغي صلاة العيد فيها ولكنه لم يستطع أن يمحو إسمها "نامازيا" يعني المصلى.

ورغم أن المشيخة الاسلامية حاولت التحرك السريع في بداية الانتقال الديمقراطي، واستطاعت أن تجد متبرعا عربيا لبناء المسجد، وتم على أساس ذلك وضع حجر الأساس. إلا أنه سرعان ما التفت الطبقة السياسية على الموضوع، متعللة بتعلات واهية، تخفي هوسا بالسعي الى طمس الهوية الاسلامية لألبانيا، باعتبار أن 70% منهم مسلمون، حيث يرون في ذلك عائقا دون اندماجهم في الأسرة الأوروبية. كما لعبت الدول المجاورة وخاصة اليونان وصربيا وإيطاليا على هاته الفزاعة، ومارست عن طريق لوبياتها ونفوذها في الدولة الألبانية ضغوطا للحيلولة دون تمكن المسلمين وهم الأغلبية في تيرانا وفي ألبانيا ككل من التمتع بحقهم في أن يكون لهم مسجدهم الجامع.

واستمرت المحاولات ما إن تبدأ حتى تتعثر، إلى أن كان لتنامي "الصحوة" الاسلامية والعودة الروحية للمجتمع تأثير يتصاعد يوما بعد يوم، ويلفت نظر الطبقة السياسية لشراء رضا المسلمين الألبان وتجنب عقابهم الانتخابي.

وبعد صراعات مريرة انتهى الأمر من خلال تدخل تركي مستثمرا العلاقة الوطيدة بين الرئيس أردغان ورئيس الوزراء إيدي راما إلى الموافقة على بناء المسجد الكبير بتمويل تركي وحل كل المشكلات العالقة التي تخص ملكية الأرض والمخطط المعماري.

انطلق بناء المسجد سنة 2015 وكان مخططا له أن يتم تدشينه بعد 3 سنوات، ولكن تأخر إتمام المسجد في موعده، وزاد الأمر تعقيدا وجود منتسبين لجمعية جولن على رأس المشيخة الاسلامية الألبانية، الشيئ الذي جعل تركيا ترفض تسليم المسجد لها. وبعد أن باءت محاولات "تحرير" المشيخة من سيطرة جماعة جولن التي تحضى بحماية استعصت على الحكومة الألبانية بالفشل، تم الاتفاق على لجنة مشتركة بين تركيا وبين دار إفتاء تيرانا التي يرأسها إمام لا ينتمي للجماعة المذكورة.

وعلى أساس ذلك الاتفاق تم افتتاح المسجد اليوم بحضور مشهود للمسلمين وفرحة تحاول تناسي مسيرة مريرة من الحرمان.

يقع المسجد بمعماره التركي العثماني وسط تيرانا، وعلى مساحة 10 آلاف متر مربع، ويعد أكبر مسجد في البلقان، ويسع حوالي 10 آلاف مصلي. وإلى جانب قاعة الصلاة ومرفقاتها والمساحات الخضراء، يحتوي المسجد على مركز ثقافي متكامل من قاعة محاضرات ومكتبة وقاعات مطالعة وتدريس.

كانت كلمة رئيس الوزراء الألباني منتقاة بعناية فائقة تهنئ المسلمين بمسجدهم، وتثمن دور تركيا، وتؤكد على ما تمتاز به ألبانيا من تسامح. وكانت كلمة الرئيس أردغان مفعمة بالتركيز على عمق الإخوة بين الشعبين التركي والألباني، ومؤكدة على استعداد تركيا الدائم للوقوف إلى جنب ألبانيا والألبان، ومنوهة برسالة المسجد الحضارية والاجتماعية، داعيا في حماس المسلمين إلى التمسك بإسلامهم والاعتزاز به، ومذكرا بما يتعرض له الفلسطينيون من تطهير عرقي على يد دولة اسرائيل وحكومة نتنياهو التي تمارس الابادة الجماعية في غزة وفي لبنان.

تأخر بناء المسجد الكبير كثيرا، ولكن الاسلام لم يتأخر في استعادة مكانه في قلوب الألبان، فقد أخذ مكانه الطبيعي بينهم. والخارطة الإيمانية للألبان مهيأة بطبيعتها لتقبل الاسلام، فكما اعتنقوه مبكرا قبل وصول الأتراك إليهم، استعادوه بعد سقوط النظام الشيوعي بفطرتهم التي كانت من قبله تميل للتوحيد، ذلك أنه انتشرت فيهم قبل وصول الاسلام المسيحية الموحدة ولم تستطع الطوائف الأخرى الانتشار بحجم ما انتشر الاسلام بينهم، حيث تقارب نسبة المسلمين 90% من مجموع الألبان المنتشرين خاصة في ألبانيا وكوسوفا ومقدونيا والجبل الأسود.

لم تتوقف المحاولات المتواصلة للتقليل من حجم المسلمين وفرض تقسيم عليهم لا يمت للواقع بصلة بين مسلمين وبكتاشيين وهي مجرد طريقة صوفية، تم النفخ فيها مبكرا وتم فرضها كطائفة رابعة إلى جانب المسلمين والأرتودوكس والكاتوليك. وها هي هذه الأيام يتم النفخ فيها أكثر من خلال قرار استحداث "دولة بكتاشية" على نمط الفاتيكان، ولكنها ليست شيئا آخر غير كيان مصطنع يريدون زرعه لغايات جيوستراتيجية في الخاصرة التركية، وكبؤرة تفتيت لألبانيا، وإضعاف لأي مساع تريد استعادة الحلم الألباني الموؤود باسترجاع وطنهم الحقيقي المقطع الأوصال.

تاريخ أول نشر 2024/10/10