search

الآن ... وقد ...

كتبت حول الانتخابات منذ "فتح" بابها، ودعوت إلى المقاطعة والمقاطعة النشطة، بناء على عدة أسباب أهمها: من قام بالانقلاب لا يخرج بصندوق الانتخاب.

ولأني توقعت رد فعل المعارضة التونسية، قدمت قائمة في شروط المرشح للانتخاب.

وبطبيعة الحال لم تلتفت المعارضة لرأيي ولا لرأي غيري، ومضت في "حملة محمومة" لجمع التزكيات.

وقد علقت على الأسماء المترشحة بالبيت المشهور:

إني لأفتح عيني حين أفتحها ### على كثير ولكن لا أرى أحدا.

لكن المعارضة أجابت بأن ما سوى قيس مناسب مهما كان ومهما بدا منه من عدم توفر شروط المرشح المثالي.

لما صدرت القائمة كتبت نصا "قاسيا جدا" ... ذلك أنه حصل ما توقعته من أن الانقلاب لن يسمح لمن تسول له نفسه فرض نفسه عليه.

ومع ذلك انطلقت "حمى" متابعة قرارات المحكمة الإدارية، وسرت حالة عجيبة وصلت إلى تنازع الأنصار لهذا ولذاك حتى داخل "البيت" الواحد! ورفعت من الحمى قرارات المحكمة الإدارية التي زادت "لحمت " بسببها حمى الصراعات عن الأولى بالمساندة.

كنت قد توقعت من خلال متابعة ما يجري 3 سيناريوهات لتعامل قيس مع قرارات المحكمة الإدارية :

- سيناريو القبول بالقرارات، وهذا أضعفها، ولن يكون ذلك ممكنا إلا بوجود ضغط ما على قيس داخلي أو خارجي. ومع ذلك قليس من المرجح أن يرضخ له قيس الذي ثبت أنه لا يستمع إلا لمن يشجعه على القرار الذي حسمه في قرارة نفسه... لن يبالي بأي ضغط يمارس عليه.

- السيناريو الثاني هو أن يلجأ إلى تأجيل الانتخابات، بأي حجة يختارها، ولا يعدم حيلة في ذلك. ولكن هذا يعني أنه قد خضع للضغط وهذا كاف ليجعل السيناريو مرجوحا.

- السيناريو الثالث وهو اكثرها احتمالا وأسوؤها بالنسبة لي، هو أن يرفض قرارات المحكمة الإدارية ويمضي في ما قرره.

لماذا أسوؤها؟

لأن هذا القرار برغم أنه سيطعن في شعبية وشرعيته، إلا أنه أقل سوء بالنسبة له من السيناريوهين السابقين. لأنه في كل الحالات سيمضي في انتخابات، وسيتمكن من تثبيت نفسه حاكما ولو بمشاركة شعبية ضعيفة إذا اختار الناس المقاطعة، أو بشرعية أفضل رغم أنها تبقى منقوصة في صورة مشاركة كبيرة يحدوها أمل خادع بافتكاك الصندوق من خلال التصويت لأحد المرشحين.

هذا السيناريو أسوؤها لأن الرد المنطقي عليه مظاهرات عارمة واحتلال الشوارع وتضامن أحزاب ومنظمات وهو ما نفتقده للأسف ، ذلك أن الساحة لا زالت مفتتة ومنشغلة ببعضها اكثر من المنقلب.

لست عدميا

هل أنني أعتبر ما حصل لا قيمة له؟ لا أبدا ... لا أنكر أنه قد أظهر رغبة الناس في التغيير وساهم في تعرية المنقلب ... ولكن في إدارة الصراع وخاصة في الحلقات الحاسمة ليس العبرة بتجميع النقاط وإنما بـ "الضربة القاضية". لذلك كان نقدي ممن كانوا يتوهمون أنهم يستطيعون بالصندوق إزالة قيس ... فقلت لهم كما غيري كثير أن قيس لن يسقط بالصندوق ... أما إذا جعلتم الصندوق مناسبة لإسقاط قيس فلا بأس. هذا هو جوهر الاختلاف ...

قرأت صباح اليوم وقبل صدور قرار هيئة بوعسكر في صفحة الدكتور ماهر العباسي استشهاده برئيس السينغال، الذي استلم الحكم بعد 9 أيام من خروجه من السجن ... بقطع النظر عن عدم دقة ما قدمه ... ذلك أن الذي نجح رئيسا هو نائبه وليس هو، من خلال اعتماد حيلة ذكية بعدما تم منع الرئيس من الترشح باغت النظام بتشريح نائبه ... فإن تلك المرحلة التي وصل إليها باسيرو وحزبه كانت وراءها مظاهرات ضخمة واعتقالات وشهداء وصل عددهم 2000 شهيد على مر السنوات التي سبقت الانتخابات ووراءه حزب كبير التف حوله الشباب السينغالي بصورة رهيبة ومن احتمى بسواعد الشباب لن يخيب أبدا .. أيضا فإن السينغال لها تقاليد في الديمقراطية شبيهة بتركيا، حيث صندوق الاقتراع مقدس برغم عسف الدولة وظلمها واعتدائها على الحريات ... وأيضا في السينغال كانت هناك محكمة دستورية فرضت على الرئيس إجراء الانتخابات وقد أصدر قرارا بتأجيلها ومنعت التلاعب بالقانون الانتخابي ... لذلك أقول أن القياس كان فاسدا.

الآن سنجد من يصر على أن الأمل لم ينته وسنسقطه بالمشاركة الواسعة من خلال أحد المرشحين ... نرجع من جديد ... لأقول كلمة أرجو أن لا تكون جارحة : من لايقوى على تحمل المسؤولية وتحمل التبعات والنضال يعظم الأماني الخلب على الواقع المرير ...

هناك مسلمة: كررتها وأعيد تكرارها: لن يخرج قيس من قرطاج إلا مجنونا أو ميتا أو مكبلا ... لن يخرج وهو يمشي على رجلين.

لنذهب مع من يلاحق السراب ...

هل صحيح أن المرشحين مقابل قيس أفضل منه ؟ ما الحجج في ذلك ؟ مالذي يحملانه وما نحمله نحن عنهما أكثر مما حملناه على قيس قبل انتخابه؟ صحيح أن زهير المغزاوي أكثر وضوحا وهو الذي لن يجد قبولا لدى المعارضة التي تدور في فلك "جبهة الخلاص" وحتى عند غيرها.

من هو سي العياشي الزمال؟ من وراءه؟ كل ما تجمع لدي حوله لا يقنعني أبدا حتى في تفكيره في الترشح للرئاسة ... لا يظهر لي أن ما يفعله من بنات عقله ... علمتني متابعاتي للسياسة وقراءاتي أن كثيرا من الآحداث تبدو عادية لا تثير الانتباه ولكنها تنتهي لعبة محكمة أشد الإحكام ولكنها "قذرة" ...

لذلك أعيد استذكار الشروط التي وضعتها لقبول أي مرشح أو رفضه.

بالنسبة لي زهير والعياشي تم اختيارهم قصدا، ومن اختارهما هو قيس ذاته. ربما هناك من اشتغل بحيلة كي يقنعه بهما لكنهما في الأخير اختياره هو ...

وظني أن ما يحصل للعياشي هو ضمن خطة معينة لتوفير حظوظ له على حساب زهير، حتى إذا فرضت الأوضاع الذهاب لدور ثاني، يكون قد اختار الأضعف في تقديره ... أما اذا كان قد تم تمريره رغما عنه وهو احتمال ضعيف فــ "سيمرر له عيشته".

لنذهب بعيدا وراء السراب ...

لنفرض أن المعارضة اختارت العياشي .... ما هي الضمانات لحماية الصناديق ... ليس هناك أي ضمانة ... ما الذي يمنع من التزوير ... لا شيئ يمنع ... من سيراقب؟ من سيختاره هو بعناية ...

قال سي أحمد صواب: نحن سنواجه التعدي عن القانون بالقانون ... كلام جميل ... لكنه لن يصل بنا إلى نتيجة طالما كان "كل شيئ وظيفة عند الحاكم بأمره" ... الوظيفة ليس لها قيمة إذا لم تحقق ما يريده ... وكل شيئ يريده يصبح قانونيا مهما كان خارج القانون ... ملخص المقولة الشهيرة : الدولة هي أنا.

أقول للسيد أحمد صواب وللدكتور ماهر العباسي ولغيرهما ... المقاومة المدنية والرفض الشعبي المدني واحتلال الساحات مقاومة سلمية، وهي التي غيرت الديكتاتوريات وفرضت إرادة الشعب، ويكفي فيها طليعة متماسكة وغير ملوثة، وصمود محدود أمام مواجهات ضرورية مع الأمن، قد يسقط فيها جرحى وحتى شهداء، وتتم فيها اعتقالات، لكنها وحدها من تزلزل عرش الظلمة وتهدم جبهة الديكتاتورية وتحولها إلى قصر رملي ...

قد لا نكون في مستواها لأسباب عديدة ... هذا نعم ... ولكن غيرها "سراب بقيعة يحسبه الضمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا".

ألخص فأقول: السياسة مجال الموازنات والترجيحات وليست معادلات رياضية صماء، وليس صحيحا ما يقال من أن المقاطعة فعل سلبي. فالمقاطعة شكل من أشكال الاحتجاج وأي انتخابات تقاطعها المعارضة تضرب شرعيتها، وكم أدت المقاطعة إلى خلق حالة سياسية مؤثرة وفرضت على النظام البحث عن حلول وبعضها أدى إلى إعادة الانتخابات أصلا وبعضها كان سببا في تأجيج الغضب الذي انتهى بانتفاضة أو ثورة وآخرها ما حصل في بانغلاديش حيث قاطعت المعارضة الانتخابات التي أجرتها الشيخة حسينة على مقاسها، كما التجأت المعارضة التونسية إلى سلاح المقاطعة أمام نظام أغلق كل أبواب الحوار وأصر على انتخابات صورية يزين به وجهه القبيح، لذلك أرى أن المقاطعة أفضل خيار، ومن أختار المشاركة فليعد نفسه لاستتباعاتها من حماية الصندوق ونتائجه أو الاحتجاج ورفض النتائج، وإلا فإن شرعيته لا تحتاج تعرية، والمقاطعة ستحقق نتائج أفضل من مشاركة سيتعتبرها هو والقوى ذات المصلحة في الغرب أنها كافية ما دامت استوفت الشروط الشكلية ولم تفض إلى اضطراب الأوضاع.

لكن ليل الظلم لا يطول ... ولم يثبت ظالم على عرشه ... ولا أشك أننا في طريق التحرر ... فالتراكم وإن كان قطرة قطرة إلا أنه سيفيض كأس الصبر بل وسيتحول سيلا جارفا ... إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا.

تاريخ أول نشر 2024/9/2