الإسلاميون بأجيالهم المختلفة، الذين تربوا في أحضان الجماعة الاسلامية، ثم الاتجاه الاسلامي، ثم حركة النهضة، ثم حزب حركة النهضة، يعدون هم وأنصارهم بمئات الآلاف بل الملايين ....
وأن يكون من بينهم أو يخرج عنهم من لا تحمد أخلاقه، أو سيرته، أو حتى يتحول إلى نقيضهم، فهذا شيئ طبيعي، حتى ولو بلغ عددهم العشرات بل الآلاف ... وأن ينشط على الفضاء الأزرق من يفضل الهجوم على المخالفين، ومن يفجر في الخصومة ولو بلغوا العشرات، فهذا لا يمثلهم، ولا يصلح عينة يستدل بها عليهم ...
ومع أن الإسلاميين بشر في المحصلة الأخيرة، وتونسيون في التحليل الأخير، يخطئون ويصيبون، ويبغضون ويحبون، ويغضبون ويفرحون، وقد يشتطون في الغضب كما يشتطون في الفرح، فينحرفوا عن الاعتدال ... إلا أن سوادهم موطؤون أكنافا، يحبون أهلهم وذويهم، وبني وطنهم وأمتهم، والإنسانية جمعاء ...
يتمثلون هدي دينهم ... يصبرون على الأذى، ورجاعون للحق ... يغفرون ويستغفرون ... يسارعون لـ"أحلاف الفضول" ... يكظمون الغيض ... وينسون الأذية، ويتنازلون عن حقوقهم بحثا عن التوافق والرحمة ببلدهم ورجاء في مرضاة الله ...
ومن نظر إليهم بغير ذلك فقد ظلمهم، وظلم نفسه إذ جعلها تنظر بعين واحدة ...
ليسو ملائكة ولكنهم أهل صلاح وإصلاح ... ولن تؤتى تونس منهم، بل لقد رأينا انها أوتيت يوم أريد استئصالهم، وستؤتى من جديد لو نجح أعداء البلد في تفريق شملهم وتشتيت اهتمامهم ...
لذلك أقول للنهضويبن احذروا من يريد ان يجعل بأسكم بينكم شديدا ... واجعلوا مصلحة دينكم وامتكم وشعبكم وبلدكم فوق كل اعتبار ... وتلك المصلحة تتحقق بوحدتكم وتعاليكم عن كل ما يشتت انتباهكم، و يحرفكم عن القصد السليم والهدف النبيل الذي نذرتم أنفسكم له ... الحرية والديمقراطية ... فهي مقصد من المقاصد العليا لدينكم الذي اصطفاكم لخدمته، ولأمتكم التي اختارتكم لخدمتها، ولشعبكم الذي توسم فيكم خيرا استجابة لحاجاته وتطلعاته ....
لا شك أنه وقت اختلطت فيه السبل، واضطربت فيه الموازين، وتداخلت فيه الأغراض ... لكنكم لم تكونوا في أي يوم من الأيام في سعة من التفكير، وفي غير جهاد ومجاهدة ... فاستمسكوا بالصراط المستقيم، و زنوا بميزان العدل والحق، واجعلوا رضاء الله غايتكم وغرضكم الأسمى تفلحوا ...
سيقول البعض هذه مواعظ ... نعم إنها مواعظ ... وهل في المواعظ سوء ...
المواعظ تذكير وتنبيه، ودعوة لاستحضار قلب المؤمن التقي النقي وعقله الحي الذكي ... واستحضار تاريخكم الناصع المفعم بالخير والحق والعدل والإيثار والسماحة ....
تاريخ يشرفكم ويشرف تونس ... نهركم المتدفق عذب زلال ولا يضيره أن حمل ما تحمل الأنهار من أوساخ أو علقات أو حتى حيوانات سامة ... فلم يسلم المصطفى من أن يكون بينه المنافقون، وأن يرتد من صفه المرتدون، وأن يوجد فيه المفسدون ... وقد عاملهم بما تقتضيه الحكمة والذكاء، والعزم والحزم، والشفقة والرحمة ...
أنتم من تعلمتم فقه الموازنات والأولويات، وفقه مراتب الأعمال، وفقه المآلات ... استحضروا كل ذلك ... واستعينوا بالاستغفار والحوار وحسن الظن بينكم ومع شعبكم ...
تاريخ أول نشر 2023/9/5