الانتخابات هل تحل المشكلة؟
في حقيقة الأمر منذ أن دخل عام 2024 باتت الأحداث المهمة كلها مرتبطة بالإنتخابات التي لم تغب عن بال عدد من الأحزاب والشخصيات السياسية.
من الطبيعي عندما تعد وزارة المالية ميزانية الدولة أن تستحضر أن السنة المالية هي سنة إنتخابية.
ومنذ أن إكتشفت البشرية الإنتخابات والأمور تسير هكذا:عناية إضافية بالمرافق والخدمات وتحويلات إجتماعية وإجراءات تخص الفئات الضعيفة والمحرومة والمهمشة إعلان إطلاق مشاريع كبيرة في البنية التحتية أو ذات قدرة تشغيلية تنظيم دورات رياضية قارية وعالمية تدشين مشاريع ذات أهمية أقتصادية وترفيهية ورمزية كالسدود والمطارات والموانئ والجوامع والمساجد والمدارس والجامعات والملاعب والمسارح والمراكز الثقافية والرياضية وتنظيم زيارات إلى مناطق في الخارج وجهات في الداخل.
ومن غير الطبيعي أن لا يستعد أي بلد للإنتخابات في مجتمعات تعددية ومتحركة وتعيش تحولات وأزمات هي في حاجة إلى تصريفها وحسن إدارتها.
وربما لأجل ذلك لا تعتبر الحلول التي تقفز على الإنتخابات أو تلغي نتائجها بطريقة غير تقليدية ودون مرور بالصندوق ولو بصفة مبكرة وإستثنائية حلولا حكيمة لأنها غير مؤسساتية ولا تستند إلى الإختيار الشعبي ولا تحتكم إلى القوانين المنظمة للمشاركة والتداول ولا تعتمد الآليات الدستورية المخولة لتنظيم الإنتخابات والإعلان عن نتائجها.
ويتطلب الإستثناء ميزانية إستثنائية وقد يدخل المنظومة الإقتصادية والمالية في دوامة لأنها خرجت من الإنتظام إلى الإنخرام.
أما الحملات الإنتخابية المبكرة فهي دليل على الحيوية والإستباق الديمقراطي شريطة أن لا تكون تحيلا مدبرا عن سابق إضمار لضرب قواعد المنافسة ومنها تكافؤ الفرص.
ولأن ما بين دورتين ظهر الإنخرام وتعطيل المؤسسات التمثيلية المنتخبة شرعيا وتمت إعادة توزيع السلط على قاعدة الهيمنة والإنفراد وغير التفريق صار للإنتخابات دور آخر وهو تكريس اللاإنسجام بين القاعدة الإقتصادية والنظام الإجتماعي والتقاليد السياسية وبين المنظومة السياسية.
وأذا كان الإنتقال من جملكية بن علي إلى جمهورية الثورة عبر تركيز النظام المجلسي ثم البرلماني المعدل قد أنتج فائضا ديمقراطيا اعتبره التقليديون إنفلاتا واستضعافا للسلطة التنفيذية فإن الإنتقال من منظومة دستور الثورة إلى جمهورية حكم الفرد قد أفضى إلى الإنخرام وإلى تعطل مسار التداول السلس الذي يجعل منظومة الحكم تعدل نفسها بنفسها في مسار تطوري ينشد التوازن وينحو نحوه كلما حاد عنه ..
هذا التحول المتأزم الذي كان هدفه المعلن ضرب موعد مع التاريخ أفرغ الإنتخابات من روح التنافس والرهان السياسي وحولها إلى لعبة أفراد لمن يجرؤ فقط.
لذلك كانت نسبة المشاركة في الإنتخابات قياسية في تدنيها ومنتوجها البشري وفائض قيمتها السياسي ضعيف وضحل ...فهل يستقر الأمر لأي رئيس أو زعيم بما في ذلك من يحكم الآن بمنظومة منخرمة غير متجانسة فاقدة للقدرة على إنتاج المؤسسة المقتدرة وعلى صنع القادة ..
إنها لا تنتج إلا التباعد بين الرئيس وبين المجتمع السياسي والمدني وباقي الوظائف ويجد نفسه في حرب دنكشوتية ضد التعطيل والتعويق والتآمر.
وهذا ما يجعل الدخول إلى الإنتخابات دون رؤية إصلاحية لا يعدو أن يكون تدويما لا تداولا وحتى لوتغير الأشخاص فستبقى نفس المعضلات والمطبات ...
الذئاب المنفردة وقارئة الفنجان
في حالة التصحر السياسي وهجر الشأن العام من طرف أصحاب المصلحة في السياسة أي المواطنون (أهل المدينة الفاضلة).
وبسبب إصرار السلطة على فرض قواعد لعبة (منافسة) تجعل مرشحها في طريق مفتوح لخلافة نفسه وليس أوفر حظا من منافسيه.
ولأن الأحزاب الكبيرة والأحزاب المناضلة تعيش تحت الحصار أو ترفض الإنخراط في مسار تركيز منظومة تم إحكام إغلاقها ولا تصلح إلا لإعادة إنتاج نفسها.
ولأن من كان أكبر الأحزاب وقد أخرج من السلطة دون المرور بصندوق الإقتراع وفرض عليه أن يكون معارضا قد إختار أن لا يخوض معركة صراع على السلطة حتى عبر الإنتخابات وليس له من سبيل ليكون جزءا من الحل إلا بعدم التصدر وعدم التفكير في العودة العاجلة إلى التموقع في معادلة الحكم وترجح لديه أن أخف الأضرار هو إفساح الطريق حتى لا يقال أنه من عطل الخروج من النفق.
ولأن كل مترشح ومترشحة قد يكون مصيره السجن.
صار المترشح كالذئب المنفرد إذا لم يقرر وحده وجد نفسه وحده بلا فريق ولا داعمين ولا متطوعين ولا مانحي أصوات التزكية حتى لو كان المترشح (ة) موجود ضمن نوايا التصويت في إستطلاعات الرأي الموثوقة حتى لو كانت نسبة من يرونه في موقع القيادة واحد بالمائة.
إن المترشح للإنتخابات الرئاسية في ضوء ما تقدم قد يحصل له بطلب الرئاسة ما يحصل مع حبيبة نزار قباني في قصيدته قارئة الفنجان:
من يطلب يدها
أو يدنو من سور حديقتها
مفقود ...مفقود
ورغم ذلك فإن الإعلان عن تاريخ الإنتخابات وإجتماع هيئة بوعسكر على عجل وضبط الرزنامة فيه ضرب من الإستفاقة والإستباق والتحسب لما لا تحمد عقباه (الوجود خارج الشرعية).
وهو إلقاء حجر في المياه الراكدة.
لكنه خطوة منقوصة.
فهل حان وقت الإنفراج وإطلاق ديناميكية عودة الإهتمام بالشأن العام.
لأن أكبر الخسارات هو اللامبالاة.
تاريخ أول نشر 2024/7/7