قال صديقي الاديب الأريب أن المسلمين لم ينتجوا أدبا وإبداعا أدبيا كما حصل عند غيرهم... وهو يتساءل مستنكرا ...
قلت له :
اولا: لعل القرآن كان حاجزا ومانعا لما سواه من الابداع حيث وجد فيه العرب ما جعل شعرهم وإبداعهم لا قيمة له أو هكذا يبدو .... واقتصرت وظيفة الشعر عندهم أو تكاد في الوظيفة الاعلامية والتأريخية ...
ثانيا: علينا ان نفرق بين الدعوات "الاورتودوكسية" التي تظهر من زمن الى آخر والتي تنادي بإسلام طهوري "سنني" خال من "تدين" مجتمعي يحاور النص ويتفاعل معه في تآلف مع الواقع ومع المعطيات الثقافية بالمعنى الانتروبولوجي والسوسيولوجي ... فينتج "ممارسات" متصالحة مع النصوص ومع الواقع تحتضن معاني الحب والخير والجمال في صياغات فنية قولية بمختلف أنواع القول الادبي أو رسوم أو حركات أو غيرها.
ثالثا: المتامل في المدونات الفقهية والاصولية والتاريخية يجدها تعج بالنصوص الأدبية سواء للاستشهاد أو الشرح أو التعبير المفعم بالتعلق يالجميل من القول لكل ما هو جميل في الكون . كل ذلك يتم بدون عقد وبتلقائية تامة .... بل إن فحول الفقهاء والاصوليين كان لهم اهتمام بتلك الالوان الأدبية قد يعتبره الاورتودوكسيون "تهتكا".... ولك في طوق الحمامة لابن حزم وشرح ديوان بشار بن برد لابن عاشور مجرد أمثلة.
وقد أعجبني ما ذكره احمد كمال أبو المجد في مقدمة الطبعة الثانية لرواية اولاد حارتنا لنجيب محفوظ بعدما تم منعها قبل ذلك . حيث قال كان المجتمع يقبل باعتدال النصوص الفنية وينزلها منزلتها ولا يرى فيها تهتكا ولا خروجا عن الأخلاق وضرب مثالا بقصيدة يا جارة الوادي لاحمد شوقي حيث تكاد تنطق أحد أبياتها بما يشي بالمجون والتهتك ولكن قالبها الفني وإطارها جعلها تعد تحفة فنية لا مجونا.
رابعا: مع انتشار الصوفية وجد الشعر والنثر الادبي والابداع عموما مساحة كبيرة قدمت نصوصا لعبت دورا كبيرا في امتداد التصوف وتعلق الناس به ... بل شدت انتباه كبار المستشرقين وهي نصوص غاية في رهافة الذوق وسمو المشاعر .
مع ذلك يضل الاشكال قائما ليطرح أسئلة عميقة منها :
إذا كنا نجزم ان القرآن كان قوة إعجازية في فن القول جعلت العرب أهل البيان يخرون للاذقان سجدا ويسلمون له تسليما ... فلماذا لم يبعث فيهم تلك الطاقة الجمالية التي يزخر بها إلا قليلا؟
وهو نفس السؤال المزعج الذي يمكن ان نطرحه في مجال آخر وهو مجال العمل ... حيث من المفروض ان مكانة العمل في الاسلام للدنيا والآخرة تجعل المسلمين "يقدسون" العمل.... ولكنهم في الواقع أقل عملا وأقل كدحا من أولائك الذين حتى وإن عملوا فالمفروض ان الحوافز لديهم أقل بما انهم لا يؤمنون بامتداد "فائدة" العمل لما وراء الدنيا !!!
واذا تعمقت في أحوال المسلمين ازددت عجبا من ان العرب أقل الشعوب عملا حتى لكأنما خلقوا للكلام ( القول) فقط ...
تاريخ أول نشر 2020/8/9