أتابع بشكل عام الحملات الانتخابية التركية، وأرصد التقييمات والتحاليل والتوقعات وسبر الآراء ... اجتهد في متابعة المقالات الجادة، ووجهات النظر المختلفة. وككل الوقائع يركز الناس على ما يعتبرونه أساسي في التفاعل من زاويتهم، فتختلف وجهات النظر من خلال تلك المنطلقات، وقد تتحول إلى محددات.
فالمهمومون بمسألة الديمقراطية والتداول على السلطة، يصبح ذلك الهم منطلقا ومحددا في التحليل، ويتحول الى "حاجب" يحجب النظر الموضوعي للوقائع على الارض. والذين ينطلقون من اهمية العامل الاقتصادي والاجتماعي، يفعلون نفس الشي. وقل الأمر نفسه لمن يعتبر الحضور الاعلامي والتغطية الاعلامية وخاصة في الوسائط الغريية الاكثر تاثيرا والأكثر شعبية مؤشرا على ما يمكن ان تتجه إليه النتائج. ولك أن تقول الشيى نفسه لمن يرى في الضفة المقابلة المسألة من زاوية الاستقلال الوطني وموازين القوى وصراع النفوذ والمعادلات الجيوستراتيحية.
لاحظت ان من الاسلاميين من يكاد يتمنى هزيمة أردغان، وذلك لمجرد انه تمسك بالسلطة!
تابعت تحليلات كثيرة لمؤسسات سبر الآراء في تركيا، وقرات تقريرا ضافيا يعرض نتائجها كلها، ومن حوالي 10 مؤسسات اثنتان فقط رجحتا فوز مرشح المعارضة وحزبه، بينما البقية رجحت فوز اردغان وتحالفه ... ومع ذلك قرأت لمن يتحدث عن ان نتائج سبر الآراء ليست في صالح اردغان.
هل ان وضع اردغان وتحالفه مريح ؟ لا أبدا ... وتلك كانت كل الانتخابات التي خاضها ... فوزه كان دائما طفيفا لم يتجاوز 53% في احسن النتائج وكذلك حزبه.
هناك انقسام في الشارع التركي، وهناك صراع مشاريع لا زال على اشده منذ ما يزيد عن الخمسين سنة ... والتحولات بطيئة ولكنها منطقية لأن اسبابها الداخلية والخارجبة قوية وفاعلة.
لكنه صراع مبهر ويستحق الاشادة ... حيث تمكن الفاعلون في هذا الصراع من جعل الشعب التركي حكما حقيقيا، من خلال مشاركة كبيرة تتجاوز نسبتها 80%، لم تحققها إلا الاحزاب والدول الشمولية التي كانت تقود الناس بالعصا لصناديق الاقتراع، وتزور النسب إن لم يأت العدد المطلوب. ثم تكون النتيجة للفائز بالنسبة المشهورة التي تقارب 100%.
الحقيقة الكبرى ان الدولة التركية والشعب التركي اعطوا لصندوق الانتخابات شفافيته وصدقيته، بشكل لا مثيل له حتى في الدول الغربية حيث نسب المشاركة متدنية.
التاريخ لا يسير وفق رغباتنا واحلامنا وامانينا، والوقائع على الأرض تحكمها معادلات موازين القوى ومنها نفسية الشعوب وإرثها وتاريخها ...ولا شك ان التداول على السلطة من واقع خبرة الشعوب أفضل وسيلة لتجنب مساوئ الاستبداد ... لكن حذار ان نتعامل مع مركب أسباب الحكم بسذاجة حتى نجعل من عامل واحد كأنه الخير كله وفقدانه هو الشر كله .... وحذار ان نجعل للشكل قيمة اكبر من المضمون ....
لتجربة حزب العدالة والتنمية أخطاؤها ولأردغان اخطاؤه، ولكن المعادلة اعمق بكثير من مجرد أخطاء ربما يكون بعضها عميقا، إذ المهم هو مركب المعادلة بتشابكاتها وتعقيداتها، بظاهرها وعمقها، بالثقافة الضاربة في الاعماق، وبالصراع الحضاري والجيوستراتيجي ...
لن يقنعني أحد ان الحملة الاننخابية المضادة التي يقودها الغرب، من خلال كبريات وسائل إعلامه، وتنسيقه شبه المباشر مع المعارضة، وبكل "الانقلابات" الاقتصادية والعسكرية التي قادها أو شارك فيها بفعالية، إنما يفعل ذلك لأن اردغان ديكتاتور! أو لأن الديمقراطية التركية مهددة! أو لأن اردغان فاشل! هذا وحده كاف كي يكون اصطفافي وراء اردغان مبررا ومشروعا وواجبا ....
كل المتابعين للوضع الجيوستراتيجي متاكدون من ان خسارة اردغان لا قدر الله، تعني منعطفا استراتيجيا سيلقي بظلاله ليس على تركيا وحدها بل على المنطقة برمتها وعلى العالم عامة بمزيد من التقهقر والاضطراب.
وأردغان بكل اخطائه إنما يمثل مشروع تحرر من الهيمنة الغربية، ستعود فائدته على تركيا والعالم التركي أولا، ولكن لن تحرم نجاحاته منطقتنا العربية والاسلامية ... ذلك أن اردغان وحزبه إنما يمثلان حلقة من حلقات دفاع الأمة عن ذاتها هوية وحضورا وتاثيرا ....
فاللهم انصر اردغان وحزبه وتحالفه على اذناب الاستعمار واعداء هوية الأمة الظاهرين والمستترين....
تاريخ أول نشر 9\5\2023