ورد على لسان بعض قيادات المعارضة في الفرق بين ما قبل الثورة وما بعدها اختفاء ظاهرة التعذيب، التي كانت ممارسة سارية في ما سبق، ونتج عنها إلى جانب انتزاع اعترافات من المتهمين وفاة العديد منهم وخاصة الاسلاميين.
وكان من الضروري أن يوضح هؤلاء بما يقصدون بالتعذيب، الذي يقولون أنه اختفى. قد يقصدون التعذيب الجسدي بالضرب والتعليق والصعق والاغتصاب وما شابهها من الوسائل.
والحقيقة أن هاته الوسائل لم تختف إلا مع الموقوفين والسجناء السياسيين لكنها لم تختف تماما مع غيرهم.
وفي المقابل فإن التعذيب بالمعنى القانوني كما حددته المادة الأولى من اتفاقية التعذيب التي صادقت عليها تونس منذ سنة 1988 لا زال ساريا ولم يختف ومورس ولا زال يمارس حتى مع السياسيين خلال باحث البداية أو التحقيق أو الايقاف التحفظي.
هذا ما تقوله المادة الأولى من اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في تعريف التعذيب:" يقصد بالتعذيب أى عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد ،جسديا كان أم عقليا،يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص،أو من شخص ثالث،على معلومات أو على اعتراف ،أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في انه ارتكبه ،هو أو شخص ثالث أوتخويفه أو ارغامه هو أو أى شخص ثالث - أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأى سبب يقوم على التمييز ايا كان نوعه،أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها".
وقد تابعنا كيف كانت تجري عمليات جلب المتهمين واستنطاقهم والاحتفاظ بهم حيث يمارس عليهم كل الأذى الجسدي غير المباشر، وكل الإرهاق البدني والنفسي، وكل ضروب الضغط والتنكيل، لا سيما السجناء الموقوفون على ذمة قضايا سياسية بملفات فارغة.
وقد استغلت الأجهزة الأمنية والقضائية سكوت الناس عن ذلك للإمعان في ممارسة التعذيب والتنكيل. ورغم ردود أفعال الموقوفين إلا أن ضعف رد الفعل السياسي والحقوقي جرأ السلطة على التمادي في ذلك.
إن القلب لينفطر غيضا حين يسمع أن شيوخا موقوفين في سجن المرناقية مثل الشيخ الحبيب اللوز ينكل به ويحرم من حقوقه الانسانية في التداوي وتوفير مرافق الإقامة الصحية التي هي مسؤولية الدولة.
أو أن يفرض على الشيخ راشد إذا أراد الذهاب للطبيب أن يتم وضع يديه في أغلال.
أو أن يجلب الزعماء السياسيون للتحقيق في ظروف غير آدمية... وغير ذلك من ممارسات التعذيب الصراح.
أليس هذا تعذيبا؟ كيف تسكت المنظمات والجمعيات المجتمع المدني والأحزاب على ممارسة هذا التعذيب المحرم دوليا ووطنيا ؟ أين الهيئة الوطنية لمقاومة التعذيب؟!
لقد تابعنا وقرأنا حالات التعذيب المتكررة التي مارستها أجهزة الدولة المعنية، ولكن رد الفعل تجاهها كان دون المستوى، وذلك مما زاد في ممارسة السلطة لها، بل والتدرج في توسعها كما ونوعا ... فهل سنجد أنفسنا في يوم من الأيام قد رجعنا إلى التعذيب الجسدي المباشر؟