search

الانقلاب وتداعياته (1) ... خطاب مفتوح لحركة النهضة

أكتب هذا الخطاب المفتوح للنهضة والنهضاويين وقد أصبح "سواء من أسر القول أو جهر به"،ولأن أمرهم لا يعنيهم وحدهم ،فلهم أنصار ومتعاطفون لا بد أن يسمعوا آراء الناس، كما لهم فرقاء من المفيد أن يسمعوا هم أيضا وجهات نظر ليست بالضرورة تتبنى مواقفهم النقدية.

وإذا كنا لازلنا ننتظر خارطة طريق قيس وقد مضى على انقلابه 20 يوما، فإننا بنفس القدر لا زلنا ننتظر خارطة طريق النهضة، الحزب الذي تلخصت فيه - بحق أو بباطل - الأسباب التي أوصلتنا إلى يوم 25 جويلية.

ورغم أن مجلس شورى الحركة تنادى للإجتماع سريعا نوعا ما، إلا أن محرجاته كانت لا تنم عن استشعار لحجم ما حصل، ولا على نصيب النهضة من المسؤولية فيه. وانتظرنا أسبوعا كي يتم تكوين لجنة أوكل لها حصريا إدارة الأزمة، فإذا تركيبتها لا تعكس استشعار حجم ما حصل ولا على نصيب الحزب من المسؤولية .

ورغم هول ما حدث يوم 25 ودلالات رد فعل الحركة ليلة 26 ويوم 26، فإن العقل السياسي النهضاوي عاد لطريقة تفاعله المعهودة، التي تجعله ينكفئ سريعا لتقاليده السياسوية، القائمة على المناورات الصغيرة، وعلى الاستثمار في الوقت بتضييعه، إيمانا ربما بالمثل القائل " المصيبة الكبرى 3 أيام".

أحيانا يبدو لي العقل السياسي طفوليا، من حيث أنه لا يحتفظ في ذاكرته إلا بآخر ما حدث له. وينسى سريعا الأحداث الكبرى المفصلية، ويركز النظر على ارتداداتها، أو يستثمر بعض ردود الأفعال عليها، "ليهرب" بها من مواجهة الأسباب العميقة، وبحسبان أن ذلك "التهميش" و"الهروب" سيؤدي الى التغطية عن السبب المفصلي وتحويل أنظار الناس عنه.

لكن الشعب بواقعه المزري خلال العشرية، وبعمليات غسيل المخ التي تقوم بها الاطراف المناوئة للنهضة، انتهى الى ادانتها إدانة تتوزع بين فشلها لعجزها في مواجهة خصومها، أو فشلها لضعف خبرتها وتجربتها وبرامجها وكوادرها.

للأسف إن النتيجة التي يمكن استخلاصها من طريقة رد الفعل، أن النهضة لا تقدر شعبها و لا تؤمن بسيادته، ولا تقدر أبناءها ولا تؤمن بأنهم مصدر الشرعية والمشروعية.

لا زال موقف الشعب عموما معبأ باعتقاد جازم عند غالبيته أن النهضة تتحمل مسؤولية كبيرة كما ذكرنا، ولا زال الشعب التونسي معبأ بكم الكذب والبهتان والدعاية المضللة التي اشتغل عليها الخصوم. وكل نهضاوي منصف مع نفسه يقر بوجود عينات صادمة من داخل اسرته ومن جيرانه ومن زملائه في العمل ومن الشارع، تعتقد اعتقادا جازما بمسؤولية النهضة بل وبفسادها. وكل ذلك ليس لك ان تلوم الشعب فيه.... ببساطة لا يمكن لك أن تجعل الشعب يؤمن بما تؤمن به أنت لخاصة نفسك، من أنك أنت الطاهر الذي لا تسرق ابدا، والصدوق الذي لا تكذب ابدا، والنظيف الذي لم تتلوث يداه ولا قلبه. فالشعب لا يعطيك هذه الهالة، وليس هناك ما يجعله يعطيك هذا الصك على بياض، لا دينا ولا عرفا ولا عقلا. الشعب يحسن الظن بك كما يحسن الظن في سعيد الان، ولكنه يحاكمك على افعالك وسيحاكم قيسا على افعاله . وكل ما يهمه ليس الصدق والنظافة والطهارة كأخلاق مطلقة، وإنما نتيجتها التي هي الأمن والعيش الكريم. وإذا لم يتوفر ذلك من طرف "الطاهرين الصادقين" فلا حرج أن يكون ممن هم دونهم .

للأسف أقولها عاليا .... لم تفهم النهضة ما هو مطلوب منها، ولم تفهم نخبتها ما عليها من الواجبات، ولم يفهم الشيخ راشد ما عليه أن يفعله. وأخشى أن تتحمل النهضة ليس فقط وزر ما قبل 25 وإنما وزر ما بعده.

هناك نذر عملية خلط اوراق جديدة في افغانستان، ستكون لها ارتداداتها على المنطقة - وقد بدأت، وهناك خميرة جاهزة من شباب ناقم سيكون مادة اجهزة المخابرات وصنائعها من قيادات الارهاب ، قد يدفعه خلو الساحة من حزب ذو مرجعية اسلامية محافظ يعدل الكفة الى مسارات جديدة في أنفاق اليأس، تزيدها تغذية الاجنحة المتطرفة والاستئصالية في البلد.

احيانا يرسل لك الله منحا مخفية في محن شديدة .... ويترك لك القدرة على التقاطها والفوز بها ....فطوبى لمن كان له بصر وبصيرة ...."

تاريخ أول نشر 2021/8/13