search

الانقلاب وتداعيات (13): مظاهرة 15 ماي وموقعها في مسيرة إسقاط الانقلاب

هذا الرأي لا ينسف إيجابيات ما حصل وما يحصل، لا على مستوى القوى التي تقود معركة إسقاط الانقلاب، وعلى رأسها " مواطنون ضد الانقلاب - المبادرة الديمقراطية" ونواة " جبهة الخلاص الوطني" ... ولا على مستوى النضالات التي خيضت وتخاض لحد الآن. ولكنه يقيم المسار كفعل سياسي، ومدى قدرته على إسقاط الانقلاب، من حيث الشكل ومن حيث المضمون.

أذكر دائما بأن الاختلاف كثيرا ما يكون على مستوى زوايا النظر، وقد ينحرف النقاش بالموضوع لحد يصبح الحوار ممتنعا أو شبه ممتنع، اذا لم تراع تلك الزوايا. تختلف زاوية النظر الاستراتيجية عن زاوية النظر التكتيكية، كما تختلف زاوية النظر المبدئية عن زاوية النظر السياسية باعتبارها خوض في "الممكن". لكن إغفال التقاطعات بين تلك المستويات يورث أيضا صعوبة في الحوار وأحيانا صمما عن السمع والاستماع.

على المستوى المبدئي:

من حيث المبدأ لا يزال يشق قوى الثورة خلاف ليس بهين، له تأثير في رأيي على المستوى العملي، يموه عليه أحيانا من خلال الحديث على أولويات الفعل :

هل الأولوية اسقاط الانقلاب أم الاتفاق على ما بعد الانقلاب؟ تجاربنا كلها تعطي الأولوية لـ"إزالة العقبة"، ولكن تجاربنا تلك أيضا تعطينا نتائج مريرة في التفرق المهلك بعد إزالة العقبة مباشرة بل والتناحر القاتل.

هل أن أولوية اسقاط الانقلاب تجعلنا نغض الطرف عن ضرورة النقد الذاتي لقوى مقاومة الانقلاب، باعتبار أن الثورة المضادة ما كان لها أن تنقلب علينا لولا أخطاؤنا ؟ وهل أن تلك الأولوية تجعلنا نفتح أذرعنا حتى لمن ناصر وأيد بل ومن شارك في الانقلاب دون أن يكلف نفسه نقدا ذاتيا مزدوجا ... نقدا ذاتيا لدوره في إفشال المسار الثورى ونقدا ذاتيا لدوره في دعم الانقلاب ؟

تدبج الحجج والأمثلة للإقناع بأن "التجميع" أولى من الفرز والإصرار عليه، وبعضها يسرد بخلفية ضرورة "التحرك التكتيكي" لترك المنقلب وحده، وبعد إسقاطه "سنمارس" فرزا على قاعدة النقد والنقد الذاتي ... وهو "تذاك" يتوهم أن المنسحبين من ساحة الانقلاب سيكونون عجينة طيعة في أيديهم.

يمارس الجميع بما فيهم حتى بعض أجنحة "قوى الثورة" "المحاصرة اللصيقة" و"الضغط العالي" على النهضة كي تقوم بنقدها الذاتي وتنازلاتها المسبقة، وكأنها هي المعنية وحدها بذلك، وكأنها هي المسؤولة لوحدها عما آلت إليه الأوضاع ! وتمارس النهضة "التكتيك" المعهود القائم على تقديم نقد ذاتي "محسوب" مخافة أن يفعل بها ما فعل مع "ابو موسى الأشعري"! وفي نفس الوقت تتجنب توجيه نقدها لقوى لعبت دورا رئيسيا في "الردة " أملا في جرها لقوى الثورة!

لا أدعي عبقرية وليست لي "وصفة" مكتملة .... لكن لدي يقين أن هناك خلل جوهري في ترتيب الأولويات، بين المبدئي والمصلحي وبين الاسترتاتيجي والتكتيكي ... وان هناك "سقوطا" متكررا في نفس "الحلقة المفرغة" التي تجعل من تجاربنا تعيد نفسها ... وتعيد مأساتها!

لنكن واقعيين .... الطبقة السياسية ترهلت زعامات واحزابا واتجاهات ... لا ينتظر منها أن تبدع على أنقاض تجاربها الفاشلة المتكررة .... لا محدداتها التكوينية تسعفها، ولا الفضاء الابستيمي الذي نشأت فيه يسعفها، ولا تجاربها المريرة كذلك .... فمن أين ستبدع ؟ الماضي قيد حتى لمن لم يعشه، فما بالك بمن تمرغ فيه و"صنعه".

على المستوى المضموني :

تسعة أشهر مضت لم يقدم فيها الانقلاب مضمونا / برنامجا، ولكن قوى الثورة أيضا لم تقدم لحد الآن أي مضمون / برنامج اجتماعي/اقتصادي كبديل عن الانقلاب وعن تجربة العشر الماضية.

كما الانقلاب، تعول مقاومة الانقلاب على "الخطوات السياسية"، وكما الانقلاب تتحرك هي ايضا بغموض حتى في تلك الخطوات. وهناك "خشية" من الغوص في تقديم برنامج سياسي متكامل. وهناك تعويل كما الانقلاب على استعمال الدولة من خلال "حكومة الانقاذ" لتنفيذ برنامج سياسي غير متفق عليه سلفا، وسيقع تثبيته من خلال "محاصصة" ما في "الجهاز الحكومي" .... نفس العقلية القديمة والجديدة للنخبة مع تنسيب بسيط في الحجم والعمق.

على المستوى العملي :

لا زال البرنامج الميداني باهتا وفي الحد الادنى ... وهو مقيد في الحقيقة بما اسلفت الاشارة اليه في الجانب المبدئي والمضموني. كل ما تم القيام به محمود، ولكنه في صيرورته المفترضة نحو تصعيد ميداني كما في كل التحركات النضالية دون المستوى بكثير، لا على مستوى تصاعد حجم التحشيد الذي لم يشهد تصاعدا بل لربما تراجعا، ولا على مستوى أشكال النضال المدني.

أقول باختصار في هذا الصدد وعلى مستوى التحشيد الشعبي الميداني: ما لم نصل الى تحشيد يفوق تحشيد النهضة لمضاهرة 27 فيفري 2020، فإننا لا زلنا بعيدين عن الوصول بالتحشيد الى المستوى القادر على التأثير في مفاصل الدولة والدولة العميقة. والواقع يشهد أننا لم نصل في أي مضاهرة الى مستوى مضاهرة النهضة. ما يعني أننا لم نستطع حتى تحشيد أنصار النهضة بل أن النهضة لم تستطع تحشيد أنصارها بالشكل المطلوب بعد!

ذلك على المستوى الشعبي، أما على مستوى التحرك السياسي فالغالب على قوى الثورة "انتظار" خلخلة الجبهة المقابلة من تلقاء نفسها، أو من تلقاء العوامل الموضوعية أكثر من فاعلية "التحرك السياسي المقاوم" الذي من المفترض أن تقوم به.

ويغلب على الظن أنها مرتهنة الآن لموقف الاتحاد ... تنتظر متى يأتي إليها أو بالأحرى تنتظر متى يدعوها لتأتي إليه!

تاريخ أول نشر 16\5\2022