طالب نائب برلماني ألباني بتعديل مدونة العمل (قانون أساسي) يمكن المسلمين من توفير مصليات داخل المقار الحكومية والمؤسسات العمومية، ويمنحهم ساعتين خالصتي الأجر يوم الجمعة حتى يتمكن المصلون من أداء صلاة الجمعة.
مسيرة عودة الألبان لممارسة شعائر دينهم تزداد توسعا ورسوخا بعد سقوط النظام الشيوعي الوحيد في العالم الذي سن الإلحاد في دستور البلد منذ سنة 1967، بعد عمليات تضييق ممنهج على الأديان جميعها منذ استلم السلطة سنة 1945،
ورغم أن الطبقة السياسية التي تداولت على الحكم منذ سقوط النظام الشيوعي تبنت النظام العلماني الذي يقضي لا بأن يكون للدولة ديانة رسمية كما نص عليه الدستور الألباني الجديد سنة 1998، إلا أنها كانت حريصة على أن لا تلتصق بها صفة الدولة المسلمة حيث نسبة المسلمين بها 70%، لذلك فبقدر ما سمحت بالحرية الدينية لكل الطوائف والمذاهب والنحل حتى تلك التي لا وجود تاريخي لها في ألبانيا مثل كثير من الفرق المسيحية من بروتستانتية ومورمون وشهود يهوه وغيرهم وكذلك القاديانية، إلا أنها حاولت التقليل من نسبة المسلمين من خلال فرض الطريقة البكتاشية كطائفة منفصلة عن بقية المسلمين واعتبارها الطائفة الرسمية الرابعة إلى جانب المشيخة الاسلامية ( المسلمين) والكاثوليك والارتودوكس.
كذلك لم تستجب الدولة والطبقة السياسية من ورائها لمنح المشيخة الاسلامية كل أوقافها التي كانت تحتل بها المرتبة الثانية في الملكية العقارية بعد الدولة وإنما اقتصرت على جزء ضئيل جدا من تلك الأوقاف. ما جعلها ضعيفة وغير قادرة على الاستجابة لحاجات المجتمع المسلم من مرافق ومؤسسات وأئمة ودعاة.
لكنها - الطبقة السياسية - في المقابل لم تستطع كبح جماح العودة التلقائية للألبان إلى ممارسة شعائهم الدينية، وتوسع رقعة المتدينين طولا وعرضا مع الزمن. وبعد أن كان الألباني يفتخر في بداية الانتقال الديمقراطي أمام المسلمين الزائرين أو المقيمين في ألبانيا بأن جده كان إماما وأن أبوه أخذه للصلاة في المسجد وهو صغير، لم تمض أكثر من عشرية حتى بدأ يفتخر بأن زوجته وابنه أو ابنته يصلون ويصومون. وبعد أن كانت الطبقة السياسية تقتصر على تهنئة المسلمين بأعيادهم وزيارة المشيخة الاسلامية بالمناسبة على الأكثر، تطور الأمر إلى حضور صلاة العيد وإقامة الإفطارات، وبدأ وجود المصلين والصائمين عاديا في أوساط السياسين والمؤسسات الحكومية من وزارات وبرلمان وغيرهما.
كما لم تصمد محاولات التضييق على اللباس الاسلامي في البداية، وغدا وجوده عاديا في المؤسسات العمومية والحكومية، حتى أن ما تعرض له الفتيات في البداية، لا يقارن البتتة بما حصل في بعض البلدان العربية والاسلامية والغربية كما حدث ويحدث في فرنسا إلى الآن.
قد لا يلاحظ الزائر مظاهر شبيهة بما عليه البلدان الاسلامية التقليدية التي لم تشهد محاربة صريحة للدين، ولكن المتابعين عن كثب خاصة ممن عايشوا تطور الحالة الدينية في ألبانيا، يلاحظون تطورا مطردا كما ونوعا، مما جعل الأحزاب السياسية تخطب ودهم وتسعى لإرضائهم.
وبعد أن كانت الحركية الدينية إلى حدود عشرية التسعينات يقودها بشكل رئيسي جمعيات ومؤسسات تحت رعاية أجنبية، فإنها اليوم كلها تدار من طرف ألبان، وأخذت بصمتها الألبانية، حيث تجاوزت مرحلة التعلم والتقليد إلى مرحلة الاستقلالية والخصوصية، ويمكن لك أن تلاحظ ذلك بيسر في المساجد والمدارس والجمعيات والمؤسسات الثقافية والاجتماعية.
ربما يرى البعض بطئا في عملية التوسع، لكن الثابت أنها تتقدم ولا تتراجع، وتترسخ من خلال نخبة من أبناء البلد متنوعة المشارب، ولكنها تحمل هم الاسلام، وتسعى لجعله واقعا طبيعيا وممثلا في كل شرائح المجتمع وفي أوساط التخب.
وبقدر ما كان لعوامل التأثير المباشر دورها دعوة وتعليما وتوجيها، بقدر ما كان للعوامل الثقافية المترسخة في المجتمع الذي استوطنه الاسلام أكثر من خمس قرون، وترك في "صبغيات" أبنائه موروثات قد تضطر للكمون أحيانا، ولكنها تعود للعمل والنشاط من جديد متى ما هبت عليها نسائم الحرية.
وفي هذا الإطار يأتي هذا المقترح الذي تقدم به النائب، والذي يعد دليلا على انتقال الحالة الاسلامية ليس فقط من الوجود الهامشي إلى الظاهرة المجتمعية، وإنما إيضا إلى فاعلين اجتماعيين ومؤسسات مجتمعية تؤثر في اختيارت المجتمع الثقافية والسياسية. وتساهم في تحديد مستقبله، وقد تتسلم في يوم ما زمام القيادة والإدارة.
تاريخ أول نشر 2025/3/11