كتبت بعيد انطلاق طوفان الأقصى، أن مسار رد الفعل سينتهي عند تكليف الدول العربية وخاصة دول الطوق بمهمة تحقيق الهدف الرئيسي وهو القضاء على المقاومة، لكن الخطة، يبدو أنها، وبإلحاح من الدول العربية ( كما تبين مما تسرب من لقاءات مع بعض المسؤولين العرب وتصريحات الصهاينة) كانت على أن تقوم إسرائيل بكل ما تملك من قوة بالقضاء على حماس. لهذا السبب، ولاعتقاد إسرائيل أنها تملك بقوتها ومساندتها اللامشروطة من الغرب قادرة على القضاء على حماس، استمرت الحرب 15 شهرا. لم تتمكن إسرائيل وحلفاؤها وعلى رأسهم الولايات المتحدة والدول العربية التي شارك بعضها في قصف غزة فضلا عن المساعدة غير المباشرة المادية والاستخباراتية، لم يتمكنوا من القضاء حماس والمقاومة، برغم كل الضربات التدميرية الخارقة، كما لم يتمكنوا من تركيع شعب غزة، رغم ما تعرض له من حرب إبادة حقيقية للبشر والشجر والحجر.
من أجل القضاء على حماس شارك الجميع في حرب إبادة حقيقية لغزة أرضا وشعبا. وهذه وحدها كافية لتخلص إلى نتيجة واحدة، لا يمكن أن تخفيها كل المناورات والتخريجات والمسرحيات والتصريحات والبيانات الرنانة والبلاغات المستنكرة والمنددة والمحذرة فضلا عن تلك التي توحي برد الفعل الحربي كما بدر من وزير خارجية الأردن. هذه النتيجة هي من سكت (تواطأ) 15 شهرا لا يمكن أن يكون أبدا منقذا، بل عليك أن تشك شكا راسخا أنه إنما يتدخل من أجل أن يواصل السيناريو الأوحد الذي أجمعوا عليه ألا وهو: القضاء على المقاومة.
لن (زمخشرية) يكون البديل العربي لخطة ترامب، إلا خطة ترامب مغلفة ببعض الطلاء الذي توجبه عملية الإخراج، وتقتضيه حماية "الأمن الوطني" لدويلات سايكس بيكو، التي لا زالت مصلحة صهيوغربية، إلى أن تتهيأ الظروف لإعادة تقسيمها وفق خطة جديدة تقتضيها مصلحة إسرائيل والغرب.
لذلك فإن ما أعلنه سفير الإمارات هو الحقيقة ، حتى وإن تم تعديل الخطة، وتخليصها من فجاجتها، أو حتى تغيير فكرة التهجير إلى إرجاع قطاع غزة إلى الوصاية المصرية أو إلى وصاية عربية مشتركة هدفها الرئيسي تأمين حدود إسرائيل وحدود دول الطوق.
أقول لكثير من الأصدقاء، فقط ... اقراوا التاريخ، وتتبعوا تحركات وتصرفات الدول العربية، واقرأوا التصريحات والبيانات، وراجعوا التحركات والاجتماعات، وادرسوا أطنان التحاليل والكتب، ولا تنسوا أن تقرأوا مذكرات السياسيين ورجال المخابرات الصهاينة والغربيين، وسترون أن ما يغرقون به الساحة اليوم، مما يلفت الانتباه، ويفتح باب حسن الظن! هو نفسه ما كان يحصل في كل تاريخ القضية، والذي يتكشف بعد زمن قصير زيفه وكذبه وخداعه وخيانته ... هذا هو التحليل الأخير ... ومهما حاول دعاة الواقعية السياسية التعويل عليه فلن يظفروا إلا بفتات لا يسمن ولا يغني من جوع.
كيف تمارس التكتيك وأنت تعرف البون البائن بين استراتيجية التحرير واستراتيجية الخيانة؟
تلك هي المعظلة التي تزل فيها أقدام الأذكياء، وتضيق في ممارستها صدور المتعجلين، وتخور فيها عزائم الباحثين عن الربح السريع، ويسقط في بركتها الآسنة من "يستهبلون" خصومهم، وخاصة من نتصور أنهم "طراطير"، ولكنهم كلما تعلق الأمر بكراسيهم، يتحولون إلى "عقارب لساعة وأفاعي نهاشة"، فضلا عن أنهم يعرفون جيدا أنه كلما تعلق الأمر بالاختيار بينهم وبين قوى التحرر والحرية متأكدون أن الغرب سيختارهم إلا إذا يئس من استنقاذهم.
تاريخ أول نشر 2025/2/15