يحتل الدين مكانة مهمة في مجتمعنا وهو يوجه الكثير من سلوكاتنا وهو إطار لعلاقاتنا الأسرية والإجتماعية.
وجميعنا نخاطب الناس بخطاب مشبع بالقيم والمعاني الدينية.
وافتقار سلوك البعض من الناس وممارساتهم إلى الإلتزام بأخلاقيات التعامل المطابق لأحكام الدين(الإسلامي)، يجعل تلك الممارسات محل إدانة حتى من غير المتدين، ويكون الإحتجاج أكبر لو صدرت المخالفة ممن يفترض فيه أن يكون قدوة، كإمام المسجد أو المؤدب الذي يعلم القرآن أو الواعظ الذي يلقي الدروس في المساجد.
المخالفة الصريحة أو أي ضرب من ضروب التكسب غير المشروع أو الغش أو فحش القول والفعل كلها مستنكرة (أخلاقيا)، عندما تصدر من التاجر غير الأمين والغشاش في البضاعة أو في المكاييل وأي مسدي خدمة بمقابل إذا لم يتقن عمله أو رفع في المعاليم.
وإن شئت كل ضروب الإستغلال والظلم والغش الذي لا تخلو منه معاملات الناس هي مستنكرة، وتستدعى لإدانتها المفاهيم والأحكام الدينية من تحليل وتحريم وكراهة، أي أن الدين ينتصب معيارا لسلوك الأفراد ومعاملاتهم.
وهذا الحضور المتوارث والمتجذر والمتجدد بمفعول التربية والتنشئة الإجتماعية، ولأن الدين من خلال نمط حياة المجتمع يعيد انتاج حضوره وطقوسه من الولادة إلى الممات، وفي مناسبات الأعياد أو عند المصائب، فنحن نفرح ونحزن ونصاحب ونفارق على ايقاع التوجيهات والتعاليم الدينية.
ولا يعني هذا أن ممارسات الناس ليس فيها نفاق أو تظاهر بخلاف الحقيقة.
صحيح أن الدين لا يبيح النفاق الإجتماعي ويستنكره، ويقوم بتشريح السلوكيات النفاقية باعتبارها تهدم الثقة بين الناس، وباعتبارها تنم عن انتهازية أو اختلال في الشخصية، أو تعبر عن خبث ومكر وسوء طوية، مما يتعارض مع قيم الصدق والأخوة والتضامن بين أفراد المجموعة.
لكن الدين لا يمنح مناعة مطلقة رغم دوره في تحصين المجتمع من تفشي مظاهر الإنحراف والجريمة، إذ أن حالات العوز والفاقة ووضعيات التفكك الأسري والطلاق وغياب دور المدرسة وعوامل أخرى، تدفع وتغري الناس بتخطي الخطوط التي يرسمها المعيار الديني في المعاملة والسلوك.
كما أن الدين بقيمه العليا والرفيعة لا يمنع كليا في حالات الأزمات الخانقة والمركبة والصراعات المصيرية، من ظهور أنواع من الخطاب التحريضي أو التعبوي والتكفيري، وهو إن لم يكن المحرك لذلك يكون الوسيلة له.
فالدين في صراع المصالح وفي لعبة الأمم وفي الحروب يوظف للتخدير والتبرير، والتعبئة والتحريض والتكفير.
أي أن صراع المصالح لا يتورع عن الزج بالدين وحشر المتدينين في المعارك والرهانات والمحارق، ويغلف على أنه صراع ضد الشر ومن أجل حماية المقدسات والحرمات. لذلك لا تستغرب أن ترى أكبر الملاحدة يستقبل علماء الدين للإنتصار له ضد أعدائه، ولتزيين واجهة حكمه. وحتى عندما تسن القوانين التي تمنع توظيف الدين وتنص على تحييد دور العبادة عن الصراعات الحزبية، يستسهل الحاكم ومعارضوه عند احتداد الصراع والإستقطاب التوسل بالخطاب الديني، وتأجيج المشاعر الدينية لاكتساب شرعية أو لإضفائها على دوافع الصراع التي ليست الا دوافع دنيوية بالأساس..
وللخروج من هذه الحلقة المفرغة، لابد من مشروع طويل المدى للإصلاح الإجتماعي والديني، تقوده نخبة واعية ومقتدرة ومتضامنة ومحل ثقة من مواطنيها، إلى جانب عدالة إجتماعية يشعر معها كل فرد أن له مكانا تحت الشمس .
تاريخ أول نشر 2020/11/13