search

السرديات لا تموت ... بل تتجدد

السرديات مصطلح شائع أصبح يعوض ما كان يطلق عليه سابقا الايديولوجيات أو المذاهب أو النظريات أو التصورات أو الفلسفات أو العقائد ...

وعندي أن تحول المصطلحات وتغيرها لا يعني أن جوهرها تغير، وإنما يحصل التجديد في المصطلح، عندما يبتذل المصطلح القديم، ويفقد فاعليته الدلالية، أو عندما تدعو زاوية النظر التحليلية للتركيز على زوايا معينة. وأحيانا يتم نحت مصطلح في إطار الصراع بين السرديات ذاتها، من أجل نفي الأخرى وجعلها خارج نطاق فضاء السرديات. كما انها يمكن أن تكون نتيجة غلبة مدرسة فكرية وسيطرتها على مجال الأفكار الكبرى، فتفرض مصطلحها على الآخرين . وكما نرى فالسردية جاءت من عالم الادب، و الايديولوجيات والمذاهب من عالم السياسة والاقتصاد والتاريخ، والنظريات والتصورات والفلسفات من عالم الفلسفة والعقائد من عالم الاديان.

من المؤكد أن سيطرة مصطلح ما له دلالته ويمكن ان يكون هو في حد ذاته محل دراسة مستفيضة تبين من جملة ما تبين ماذا يعني ان يسيطر في لحظة زمنية ما هذا المصطلح أو ذاك.

الحديث عن موت الأفكار الكبرى والأحلام الكبرى لا يستقيم اجتماعيا وتاريخيا. فالإنسان لا يعيش بدون أفكار كبرى، فذلك جزء من كيانه.

والأفكار الكبرى في تاريخ الإنسانية مهما تنوعت تمظهراتها ومصطلحاتها، لها أصلين اثنين لا ثالث لهما. أصل إيماني/ روحي وأصل مادي/ طبيعي. وكل ما حفل به تاريخ البشرية منذ نشأتها الأولى من تصورات وأفكار وعقائد ومذاهب يدور حول هذين الأصلين. تنقبض الفكرة حتى الحلول في أصلها الروحي أو المادي وتنبسط حتى تختلط بالأصل الآخر حتى تقارب الحلول فيه فتتحول. تتعدد تعدد الانسان وتتعقد تعقد الانسان ولكن الأصل واحد من اثنين.

لذلك عندما تقول أن الايديولوجيات أو العقائد ماتت، فأنت تقصد لا محالة ما استقرت عليه الايديولوجية أو العقيدة في الزمن الذي أنت فيه تصورا وممارسة ... تموت الايديولوجية أو العقيدة المتصورة او المتمثلة دون أن تموت الايديولوجية أو العقيدة الأصل .... والذي يحدث هو أن المجتمع ينحت من خلال مفكريه ومن خلال حركته الاجتماعية تمثلا جديدا وتصورا جديدا يعيد للفكرة حياتها فتعيد تأثيرها من جديد بنفس جديد .... وذلك قدر الانسان وتلك هي حركية المجتمع.

وذلك هو تاريخ المصلحين والمفكرين الكبار والثوار ... وتاريخ الحركات والتحولات الاجتماعية والتطورات الإنسانية في وجوهها الثقافية والسياسية والاجتماعية وغيرها....

وعندي أن السيولة التي تسيطر الآن على عالم الافكار، ليست دليلا إلا على فقدان التمثلات والتصورات التي تم بناءها للأفكار الكبرى لفاعليتها، وأنها إيذان بميلاد تمثلات وتصورات جديدة، يحتاج نحتها زمنا، لأنها ليست فقط انقداح أفكار في رأس مفكر وإنما هي قبل ذلك إرهاصات تحولات بنيوية في الطبيعة وفي المجتمعات.

تاريخ أول نشر 2021/7/24