search

السياسة والأخلاق ... والفصام النكد !

موضوع لم ينقطع الجدل حوله ... لم يستطع الحسم الظاهر عند المستمسكين بطرفيه بين الفصل والوصل أن ينهي الجدل حوله .... فقد بقيت "لكن" في الطرفين حاضرة وحاضرة بقوة ...

نزوع الإنسان الفطري للحقيقة والخير والجمال يجعله غير مستعد لانفكاك الممارسة الإنسانية والسياسة في قلبها عن الأخلاق باعتبارها عنوان الحق والخير والجمال .... وبلاء الإنسان في الحياة، ورغبته الفطرية لتحقيق رغباته في السيادة على ما حوله، تجعله يبحث عن المخارج والمداخل، والتأويلات والتبريرات، لتسويغ سلوكه المنافي للحقيقة والخير والجمال على أنه حكم الضرورة أو الاستثناء أو دفع ضرر أكبر أو اتقاء تدبير ماكر من عدو يخطط أو منافس يتغول.

هناك خلط بين التحليل الموضوعي للممارسة السياسية، حيث تبدو السياسة غير خاضعة للأخلاق إلا قليلا، وأحيانا يبدو ذلك القليل مجرد زيف و طلاء خارجي، وبين إقرار الإنسان بما فيه رجل السياسة بالإنفصام النكد بين السياسة والأخلاق.

التبرير المبدئي للفصل بين السياسة والأخلاق لا يكاد يذكر ... حتى مصاصو الدماء لا يستطيعون ذلك ... حتى الاستعمار لم يستطع التبجح بذلك التبرير، وكذلك الطغاة الظلمة وناهبو أموال الشعوب ... وكذلك الذين يمارسون المكر والخديعة ويدبرون الدسائس ويصطنعون الحيل.

وقد يتمكن زعيم سياسي أو حزب أو دولة من تبرير ممارساته، بما فيها أفعاله الشنيعة. وقد يجتهد لتحويلها إلى ممارسة مستساغة من طرف من يحكمهم، بعضهم أو غالبيتهم أو كلهم، ولكن ذلك لن يستمر في الزمن ... ذلك أن الإنسانية تتطهر باستمرار، وتستدرك أخطاءها، وتجدد وعيها، وتبقى بوصلتها وكدحها نحو قيم الحق والخير والجمال ثابتة لا تتزحزح.

الحياة مليئة بالضرورات. وتوق الانسان للعيش الجماعي يفرض في سيره الاستثناءات. ولكن مواجهة كل ذلك، لن يفلح إذا حاول أن يجعل من سيره لغير الحق والخير والجمال طريقا، وأن يحول الضروري الى مشروع، والاستثنائي الى طبيعي ....

في الممارسة السياسية، يعتبر السياسي نفسه في حالة حرب، يجوز له فيها ممارسة كل أنواع الحيل والخداع والحرب النفسية، بله المداراة والمصانعة والتمويه والتمثيل ... وتضل المعضلة على المستوى العملي في تقدير حدود تحول كل ذلك من الصدق الى الكذب ومن الأمانة إلى الخيانة ....

يقولون أن السياسة بالنتائج ... ويعني هذا أن المهم من ينتصر في الأخير .... فالمنتصر لا يسأل عما فعل .... وهو قول غير دقيق، بل غير صحيح بمقياس المبادئ والمصالح ... فمن جاء على ظهر الكذب لن يصدقه الناس، ومن خان فقد ضيع الأمانة ولن يستأمنه الناس، ومن ولغ في دماء وأعراض الناس لن يستقيم له شأن ... وكل ملك على غير العدل أقيم فلن يسعد أصحابه ولو عمروا قرونا ...

والحق والخير والجمال في كل زمن هو ما ارتضاه الناس بإرادتهم الحرة، والتقت عليه كافتهم من دون غبن أو غش أو غرر ...

أعرف أنني قد لا أكون خطوت خطوة في قضية ارتبطت بالإنسان منذ وعى ذاته .... ولكنها زاوية نظر .... وتفاعل مع ما يحدث في واقعنا من التلبيس الذي يمارس في سوق السياسة غاية ووسيلة ....

إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ... وإن الله جميل يحب الجمال ...

تاريخ أول نشر 25\4\2021