السير في شوارع التيه والخوف
قد تسأل عن الذين يقضون ليلهم ويمضون نهارهم في سجون القهر والظلم في وطن مايزال يضيق بكل الأصوات الحرّة حتى صار سجنا كبيرا.
قد تسأل عن ذنبهم ولا ذنب لهم ولا تهمة سوى ما يحملونه في صدورهم من أحلام الحريّة والكرامة أو ما يردّدونه في مظاهراتهم من نشيد الأباة في بلاد الظلم.
قد تمرّ بوجدانك كل تلك المشاعر المتناقضة المتردّدة بين تعظيم النضال وتكريم المنضالين والخوف من بطش الظالمين وأعوانهم.
قد تجتاحك نلك الرغبة في كتابة ما يموج في وجدانك من غضب أو قد ترغب في تدوين عبارات المساندة والتضامن مع المظلومين القابعين في السجون.
قد تتردّد في الكتابة أو قد تتوقّف زمنا تتفكّر في العبارات المناسبة التي تحسن الهروب من رقابة الشيطان على المعاني ..عبارة تمرّ بين المعنى والمعنى فلا ترى.
قد تمحو بعض ما كتبت وتظلّ حزينا وأنت تراقب طفلا رضيعا مطمئنا في نومه الملائكي وتخشى أن يروّعه المقتحمون للبيوت في الليالي المظلمة فتلوذ بجبن ترى أنّه قد يضمن قليلا من سلامة...
قد تسأل عن جدوى ما قدّم هؤلاء المناضلون في بلد يرتمي شبابه في المقاهي بلا أفق ..أجساد ثقيلة يحملها اليأس إلى تمضية الوقت بألعاب الورق وصيحات الانتصارات الزائفة أو أهازيج التشجيع لفريق رياضي أو أحاديث السلطان عن الأشباح والأعداء يردّدونها بلا عقل ولا رأي.
قد تسأل عن جدوى كل هذه التضحيات حين تتأمّل ملامح الناس في المقاهي أو الأسواق أو المحلاّت التجاريّة أو أماكن العمل وهم صامتون يملأ الخوف هماستهم المتحفّزة وقد صار الجميع يخشى الجميع فلا كلام.
قد تتوقّف عن مجادلة صديق ردّد بلا عقل قولا كاذبا يكاد ينطق بكذبه ثمّ تتأمّل ملامحه وهو في شدّة الجهد ليقنعك وتسأل عن موضع العقل في جسده.
قد تسأل عن حجم الشرّ المخبوء في الكلمات المبعثرة في التدوينات المنشورة على صفحات الفايسبوك أو غيرها أو في الرّدود والتعليقات ثمّ تتوقّف عن التفكير وأنت تتخيّل هذا الشر المكتوب أجسادا من الناس في الشوارع يطلب بعضها رؤوس بعض فيحملك الرعب بعيدا إلى قصص الحروب الأهلية القاسية.
قد تسأل وأنت تشاهد في التلفاز سلطانا يخطب بين أعوانه والحقد يسير في كلماته عن تلك الخطيئة التي ارتكبناها جميعا فكانت اللعنة.
قد تسأل عن جدوى السؤال أو الكتابة أو حتى البقاء في هذا البلد المملوء خواء وفراغا وعبثا ورعبا..وحين تسأل وقد أحاطك اليأس من كل جانب تسير بين يديك سير الأولين ممّن واجهوا الظلم وقاوموا الطغيان وأدركوا أنّ قيمة الوجود الإنساني في التعلّق بالحريّة.
محمد المولدي الداودي
تونس