يعرف أغلب الناس المناضل العجمي الوريمي إنسانا اجتماعيا منفتح مع جميع الناس ترتاح إليه النفوس لاختصاصه بخاصية يندر أن تتوفر في الإنسان لكل الناس ألا وهي أنه يشعر كل جلسائه وكل محدثيه وكل محاوريه بأنه يعاملهم بكل الاحترام والتقدير ... وهو ما جلب له حب الناس، ولا أقل من مبادلته الاحترام ووالتقدير ذاته.
ويعرف الكثير من الناس العجمي الوريمي سياسيا منذ مرحلة الجامعة، حيث برز قائدا طلابيا منذ سنته الأولى التي ولج فيها حرمها، وحتى يوم الناس هذا وهو يقبع في السجن كأمين عام حركة النهضة.
لكن القليل يعرف العجمي الوريمي كمثقف بل وكمفكر. بطبيعة الحال الذين يعرفون العجمي الوريمي عن قرب، يعرفون أنه لو تمحض للفكر والقلم لكان له اسم بارز في دنيا الأكاديميا، ولربما كان له مشروعه الفكري، شأنه شأن رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي. لكن العجمي كما الشيخ راشد آثرا " المفكر الحركي على المفكر المعملي" على حد عبارة المستشار طارق البشري.
عادة ما ينحت المفكر أسلوبه الخاص في الكتابة، وتلك بداية تفرده، واللغة هي البداية دائما، وللعجمي أسلوب متميز يطرق به كبرى القضايا بلغة سلسة وعادية معجميا وإن كانت مشحونة على مستوى الصياغة وغنية بالدلالات. ربما كونه مفكر حركي يعتبر مسألة القدرة على تبليغ الفكرة مسألة حيوية، فينزع بطبيعته إلى صياغة أفكاره بطريقة يخترق بها حواجز تنوع مستويات المتلقين، كما يبعدها عن الصرامة التخصصية التي تضيق مساحة القراء، وتحبس الفكرة في منتديات الخاصة. كما لا شك أن للتركيبة الذهنية والمنهجية وعمق الاستيعاب دورا في سلاسة الصياغة، حتى وإن كانت أحيانا من السهل الممتنع. وهي خاصية تميز بها الكثير من المفكرين وقصر عنها الكثير، فأعاقت إلى حد ما انتشار أفكارهم.
من البديهي أن يكون أمثال العجمي الوريمي واسع الاطلاع متنوع مصادر المعرفة والتفهم، يتابع عن كثب كل جديد في عالم الفكر والثقافة والفن، ويقرأ بنهم ويشاهد باستمرار ويشارك في الحوارات والمنتديات، مما يجعله دائما حاضرا مع كل جديد وباحثا عن كل تجديد.
لكن العجمي ليس من هواة الدوران في مناخات "الأزمة" و"التأزم" ... يحل تعقيدات الفكر وجدل التفلسف واختناقات البدائل من خلال "الممارسة" ... لا يستهين بضرورة التفكير والتفكر، ولكنه لا يقبل تفكيرا يترك الساحة فارغة ويحلم ببناء "قصور نظرية بديعة" لمهندس معماري لا يمكن لمهندس مدني تنفيذها. يبدو أحيانا اعتراضه ليس اعتراضا فقط منهجيا وعمليا وإنما اعتراضا جوهريا، حيث لا يتقبل تلك الاشكاليةَ النسقُ الفكري والمنهجي الذي يتبناه.
مثل هذه الشخصية يكون صاحبها دائما متفائلا وصاحب يقين وواسع النظر. يرفض أن يحكم على الأحداث من لحظة مهما قست، ومن حدث مهما عظم، وعلى شخص مهما كانت عثرته.
يرى الواقع لوحة طبيعية جميل كل ما فيها إذا نظرت لها عن بعد، ولا تنسيك معافستك لها وملاحظة ما فعلته يد الانسان في داخلها من تشويه أنها مع ذلك هي تلك اللوحة الجميلة ... مع أنه من الطبيعي العمل على عدم تشويهها.
ينظر للمجتمع وللأمة من زاوية التاريخ العريض، وظني أنه كحالي يعتبرون التقدم في التاريخ غالب على وجهه السالب. فمن الممكن أن تكون هناك ارتكاسات وتعثرات ولكن النهوض هو القدر الغالب على الانسان.
كان يفتك في زحمة العمل والانشغالات التي لا تنتهي بعضا من الوقت نلتقي فيه لنتحاور بهدوء. يشعر أنه في حاجة لأن يستمع لمن ليس "أيديهم في العجين"، ولأن يتبادل معهم رؤاه من زاويتها الفكرية لا من زاوية المتطلبات الحركية والتنظيمية. ولأنه يعرف اهتمامي وتركيزي على تلك الزاوية، فإنه يأتي مستعدا ومتحفزا وواثقا. ولعله يفعل ذلك لأنه يرى أن أمثالي لا بد أن يستمعوا أيضا للأفكار وهي تصارع الواقع.
لا يتخلى العجمي عن "الكتابة الفكرية" ... وانشغل أكثر بالكتابة حول السياسة. ومما قرأته له وتحاورنا فيه: "إصلاح السياسة" ... كان مهتما بالتفكير في الموضوع من الجهة العامة وأساسا من جهة إصلاح السياسة في إطارنا الوطني والعربي والاسلامي. يحاول أن ينحت من قراءاته ومن تجربته مقاربة ناهضة لواقع بقدر ما يحمل من إيجابيات فإن به مطبات تحتاج تسوية. ولأن إصلاح السياسة لا يمكن أن ينجز بدون سياسيين فقد أردف لها "إصلاح الساسة".
يرى العجمي أن تجديد الرؤية وتجديد رجالها مسألة حيوية وضرورية. ويرى أن من الإعاقات التي منعت الإنجاز المطلوب في هاتين الزاويتين تضخيم فكرة المحافظة على الوسيلة (الشقف). ويرى أن جيلنا لإن قام بمجهودات كبيرة وأنجز إنجازات لا تنكر إلا أنه لم يستطع الخروج من أسر الإصرار المبالغ فيه في المحافظة على الوسيلة على حساب المضمون.
هذه الفكرة دافعت عنها بحماس وأحيانا ببعض "العنف" المعنوي ... لكن العجمي بأسلوبه المتميز، قد يساهم في تعميقها بما تصلح به هديا لمن ما زالت أرجلهم في "الركاب"، أو ممن يستعدون لامتطاء "صهوة جواد" الانجاز والتغيير إصلاحا للسياسة وللساسة.
وعسى أن يتحول ظلام السجن - الذي نرجو أن لا يطول - نورا وفرصة افتكها القدر الإلهي حتى ينجز العجمي ما يحتاجه وطننا وأمتنا ... فالمناضلون أمثاله الذين خبروا السجن يعرفون كيف يحولونه إلى "خلوة" للتطهر والتذكر والتفكير.