search

العياشي زمال ... نجح في تحدي عرقلته فهل ينجح في إقناع التونسين بالتصويت له؟

شاهدت على قناة الزيتونة المقابلة التي أجراها الإعلامي القدير حسين بن عمر مع مدير حملة المرشح الرئاسي السيد العياشي زمال السيد رمزي الجبابلي.

أحيي بداية قناة الزيتونة على مهنيتها ووقوفها المشرف والمستميت دفاعا عن الحرية والكرامة والديمقراطية لتونس ولكل التونسيين.

كما أحيي السيد العياشي زمال، وهو يتحدى بشجاعة كل محاولات إقصائه وترهيبه والتنكيل به، بوضعه في السجن و والتنقل به من محكمة إلى أخرى في قضايا كيدية لا يمكن أن تخطئها عين المراقب، في تحد صارخ لكل شروط الانتخابات التعددية والحرة والنزيهة والشفافة من قبل رئيس منتهية ولايته، ومنافس له في الانتخابات، يستعمل كل مؤسسات الدولة لصالحه بكل وسائل الإخضاع والتوظيف غير القانوني وغير الدستوري.

كما أحيي أيضا هيئة حملة السيد زمال وعلى رأسها السيد رمزي الجبابلي التي لا شك أنها تعمل في جو من التخويف والترهيب، وتدير حملة مرشح رئاسي يقبع في السجن، وممنوعة من كل ما تتطلبه إدارة حملة، ومنها الاشراف المباشر للمرشح على الحملة.

أجاب السيد رمزي الجبابلي بروح واثقة ومتفائلة على الأسئلة، وقد ساهم بذلك في تجلية ما يمكن أن يكون غامضا في برنامج السيد عياشي زمال، كما ساهم في التعريف به منوها برغبة السيد العياشي زمال كما هو شعار حملته "نقلبو الصفحة" .

أدرك أن السيد رمزي الجبابلي يقدم أجوبته آخذا بعين الاعتبار تنوع مستمعيه، وهو حريص على أن لا يكون خطابه الذي يمكن أن يطمئن جهة مثيرا لقلق لدى أخرى، وعينه على مساندة لمرشحه من كل أطياف المجتمع التونسي وجهاته وتوجهاته.

لكن الكلمات الجامعة التي ركز عليها وهي : نقلبو الصفحة والتشاركية والمصالحة الوطنية الشاملة، تعتبر المفتاح الرئيسي لبرنامج العياشي زمال. وهي بدون شك المداخل التي لا غنى عنها لمن أراد أن يقود البلاد لمستقبل أفضل.

كنت كتبت نصا وضعت فيه ما يمكن أن أطلق عليه الأسباب المانعة من اختيار مرشح. وقد كنت فيها متشددا ومضيقا لفرص أن يمر للرئاسة مرشح يستغل منفذا ولو كان كسم الخياط. ولا شك أنه لم تتح لنا ولا للسيد العياشي زمال كي نعرضه على ذلك الماسح الضوئي الدقيق. لقد كان لنا تجربة مرة جدا، لعبت فيها الثقة في حسن النية وتطبيق مقاييس ليست في محلها. كأن تقول عن شخص أنه متواضع وأنه يحب الحوار وأنه نظيف وأنه صادق، وكل ذلك بناء على ما يبدو على شخص لم يمارس الحكم ولم يمارس العمل ضمن أحزاب ولم يذق طعم السلطة الحقيقية ولم يجرب كيف يتصرف حين يكون المال العام بين يديه. هذا ما يطلق عليه بيير بورديو : أن تجعل من الضرورة فضيلة. فهو قد تحلى بفضيلة الصدق والتواضع ونظافة اليد لأنه لم يوجد في ظروف تسمح له بأن يملك سلطة، ولأنه يفتقد ذلك يبدو شكليا وظاهريا أنه قد حاز تلك الفضائل. يمكن أن يكون كذلك باعتباره فردا داخل المجتمع وفي إطار المجال الذي يتحرك فيه ولكنه لا يمكن بالضرورة أن يحتفظ معه بكل تلك الفضائل عندما يكون ماسكا للسلطة ولمقدراتها.

أيضا كتبت أكثر من مرة أنني لا أثق في أي شخص مهما علا كعبه يتقدم للرئاسة فردا، فالحكم لا يقوده فرد، والدولة المعاصرة لا يمكن أن يقودها فرد، ومنصب الرئاسة لا يمكن أن يديره فرد مهما كانت قدراته. والبرنامج الذي تقدمه للناس لا معنى له إذا لم يرفق بالفريق الذي سيشرف على تنفيذه. وهذا لا علاقة له بالأجهزة الإدارية للدولة. معروف أنه في الدول الديمقراطية، عندما يفوز رئيس يستلم الحكم ومعه فريق حكمه الذي له الحق في وضعه في مناصب معينة حسب طبيعة النظام السياسي. أن تأتي ببرنامج جيد أقول لك من هم رجالك؟ ورجالك هم من يسمحون لك برفع منسوب الثقة في برنامجك وإمكانية تنفيذه أو يحطونه أرضا. فكم من وعود وبرامج أفسدها فريق عمل، وكم من وعود وبرامج كانت مجرد حيل لاختطاف عقول الناس.

أن يعلن السيد العياشي زمال اعتماد مبدأ التشاركية فهذه فضيلة تحمد له. لكن التشاركية أيضا يمكن أن تخضع للتلاعب والتضليل إذا اعتمدت بصيغة صورية. هذا يذكرنا بهيئة بن عاشور التي تم فرضها بطريقة ناعمة يوحي ظاهرها بالتشاركية لكنها كانت تشاركية صورية. لذلك هناك مسائل حيوية وجوهرية ومصيرية لا يمكن أن تخضع للطرق التي مهما حاولت سيتم فيها الشد والجذب وحتى التلاعب. ومن ذلك مسألة الدستور التي هي أس كل شيئ. لا أرى وجاهة مطلقا لكتابة دستور جديد أو حتى تنقيح دستور 2014 عن طريق لجنة أو هيئة لن تكون بمنآى عن التلاعب تحت يافطات مقنعة ظاهريا ولكنها تخفي أجندات هيمنة وتوجيه. ولذلك فلا معقولية لسن دستور ولا حتى لتنقيح دستور 2014 خارج قبة برلمان منتخب في انتخابات تعددية وحرة ونزيهة وشفافة. وبإمكان الرئيس أن يتقدم بمبادرة تشريعية لمشروعه حول الدستور تجديدا أو تنقيحا، وعندئذ من حقه أن يشكل لذلك هيئة بصفة تشاركية أو هيئة خبراء أو فريقا مختلطا.

كما أن العرض المباشر للاستفتاء على الشعب فكرة شعبوية ولا هدف منها غير إضفاء شرعية مصطنعة على عمل صيغ خارج إرادة الشعب الذي يمثله التمثيل الحقيقي منتخبوه. يمكن أن يعرض الدستور على الاستفتاء بعد إجازته من البرلمان للمصادقة ومزيد من الشرعية.

السيد العياشي زمال قال " نقلبو الصفحة وما نقطعوش الكتاب" وهذا جميل، ومصداقه أن لا نلعن كل شيئ قمنا به حتى ولو كان حدثا استثنائيا في تاريخ تونس، ومنه دستور 2014 الذي كتب بصورة تشاركية لم يحصل مثلها في تاريخ تونس القريب والبعيد. وقد عد من أفضل دساتير العالم في مضمونه وفي طريقة إعداده، قد حاز قرابة الإجماع في برلمان تعددي حقيقي مثل كل العائلات السياسية والثقافية والاجتماعية وأدير بعقلية توافقات ستبقى إنجازا تونسيا استثنائيا.

في نفس الإطار لا أرى اللجوء لحلول استثنائية بخصوص المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة الدستورية الذين بإمكانهما أن ينتصبا فورا بعد استلام الرئاسة ما دام الرئيس سيلغي كل مراسيم الرئيس السابق منذ 25 جويلية وإلى 6 أكتوبر. فالمجلس الأعلى للقضاء المنحل يمكن أن يعود لعمله والمحكمة الدستورية يمكن للرئيس أن يقترح حصة الرئاسة فيها وتنتصب للعمل بأعضائها المختارين مضافا إليها الأربعة الذين سيختارهم الرئيس . بقي هيئة الانتخابات وهيئة الاعلام هما الوحيدتان اللتان تحتاجان تشكيلا جديدا يمكن القيام به بصفة تشاركية للفترة الانتقالية.

أما الشعار الثالث الذي رفعه السيد رمزي الجبابلي في الندوة الصحفية وأعاده في الزيتونة وهو المصالحة الوطنية الشاملة، فهو يقتضي قرارا واضحا لا لبس فيه يقضي بإطلاق سراح فوري وعفو خاص على القيادات السياسية الوطنية والمساجين الذين سجنوا على خلفية انشطتهم السياسية أو الإعلامية أو المدنية أو الفنية أو الاقتصادية منذ 25 جويلية.

والمصالحة الوطنية الشاملة تقتضي ضرورة  الغاء جميع المراسيم التي تم اصدارها في الفترة الممتدة من 25 جويلية 2021 و6 اكتوبر 2024.

والمصالحة الوطنية الشاملة تقتضي أيضا أن لا تطول المرحلة الانتقالية، وأن تكون الانتخابات التشريعية في أجل لا يتجاوز ستة أشهر.

وكل ذلك في الحقيقة ما سيعين السيد العياشي زمال على أداء مهتمه أحسن ويجعله محمي بالمؤسسات الممثلة وليس بالاعتماد على هيئات لا تمثيلية لها.

على السيد العياشي زمال أن يدرك أن تصوره للمسؤولية شيئ وممارسته لها شيئ آخر. وعليه أن يدرك أنه إذا لم يحتم بدستور وبرلمان، فلن تتحقق له مصالحة وطنية شاملة عن طريق التعويل على هيمنته على مؤسسات الدولة. ذلك أن هذا الطريق هو الطريق الأقصر كي يجد نفسه يمارس ما مارسه كل متسلط، ولن تكون سيرته بعيدة في جوانب منها عن سيرة الرئيس الحالي.

عليه أن يدرك أن السلطة تملك من القوة ما يجعلها تحول صاحبها إلى نقيض ما كان عليه، ليس فقط من خلال مغرياتها وإنما أيضا من خلال إكراهاتها. وأول ما تفعله هو أن تباعد بينه وبين من انتخبوه، وسيكونون اول من ينتقده ويتأذى من ممارساته. وسيغرونه المقربون والمتزلفون الذين سيدخلون إليه لا محالة من "بين الظفر واللحم"، وسيزيدون في إيهامه برضا الناس عنه حتى لا يتركون له أحدا مرضيا عنه. والناس بطبعها لا يرضيها صاحب السلطة، وحتى إن لبى ضرورياتها فستطالبه بتلبية كمالياتها وإلا لن ترضى عنه.

على السيد العياشي زمال أن لا يركن إلى أنه سيكون مرشح الضرورة لجميع قوى التغيير، لأن ذلك قد يجلب له جزء من قوى الثورة، ولكنه لن يحفز الجميع للذهاب للصندوق ولا للتحشيد والدعاية له.

نقاط كثيرة يمكن أن تثار في برنامج الحملة ولكنني ذكرت ما اعتبرته أولوية، وليس للسيد العياشي زمال وقد حيل بينه وبين القيام بحملة انتخابية عادية، إلا أن يعول على إقناع الناس ومخاطبة عقولهم، ورفع منسوب الثقة فيه لديهم، والأمل في أن يكون انتخابه خيط نجاة من انقلاب مشؤوم لن يقدم للبلاد إلا الفوضى والخراب والدماء كما ينضح من البيان الانتخابي للرئيس المنقلب المنتهية ولايته.

تاريخ أول نشر 2024/9/18