كشف الشيخ راشد عن سلوك سياسي رصين وحكيم، بذهابه الى مقر حركة الشعب وجلوسه " تحت صورة الزعيم الخالد " كما علق احدهم في صفحة حركة الشعب، ليبحث مع حركة الشعب امكانية تشكيل تحالف حكومي. لم تكن للغنوشي عقد تمنعه من التعامل مع الأخوة القوميين وهو باستثناء قوميي تونس، الذي لا زالت العلاقة معهم يشوبها بعض الاحتكاك، فإنه من أكبر زعماء الاسلاميين تقديرا لدى الاوساط القومية العربية المختلفة قبل ثورات الربيع العربي، وما زال لحد الآن أقلهم توترا في التعامل مع الجدالات الحادة والاتهامات المغالية التي تصدر من هنا وهناك.
لا شك أن الغنوشي بسلوكه ذلك يريد تجاوز الشكليات الى الجوهر، و يريد مساعدة الاخوة في حركة الشعب، و لا سيما القيادة، و تخفيف ضغط القواعد عليها حتى تتخطى مرحلة ردود الافعال الى العمل الجاد، وأن تتقدم بالحركة الى موقع الشريك الحقيقي في حكم تونس، وقد حرموا ذلك، برغم أنهم أسبق كتيار من الاسلاميين في تاريخ تونس المعاصر.
يعمل الغنوشي بصبر وأناة، من أجل أن يتحقق في تونس ما عمل عليه ضمن اامؤتمر القومي الاسلامي نظريا طيلة ثلاث عقود، و يأمل أن يلتقط الأخوة القوميون الرسالة ويصنعوا " الاستثناء" التونسي مجددا في هذا المجال أيضا.
للتاريخ دائما وجهيه ... وجه الأمل ووجه الإحباط .... و الذين يصنعون التاريخ هم من يثبتون نظراتهم على الوجه المشرق للتاريخ ... وجه التقدم ... وجه السير الى الله ... وجه التخلق بصفاته العلا ...
إلى حدود أواخر الثمانينات كان الغالب على سلوك أبناء التيار القومي البعد عن التدين الشعائري بمعنى الإلتزام بالصلوات و غيرها ... أما بعد الثورة فقد لفت انتباهي عكس ذلك، حيث أصبح أغلب من أعرف من تحقر صلاتك الى صلاتهم ... وهي تحولات لها دلالات.... وبالطبع ليست محددا .... ولكنها تعني تحولات نفسية و سوسيولوجية ...
كنا نقول منذ زمن - ولعل أول من أكد على ذلك الشيخ راشد - أن الصراع بين العروبة والاسلام صراع مغلوط ومدسوس، وهو في تونس أكثر غلطا وأكثر دسا ... والاسلاميون والقوميون كلاهما مدعوون الى تمثل قيم الاسلام وقيم العروبة بشكل لا يفرض تناقضا بين ما لا يجوز فيه التناقض ....
كلنا أمل أن يتقدم الحوار السياسي بين الحزبين، وأن يدعِم ذلك الحزام الفكري والثقافي الذي يجب أن يتعالى عن مماحكات السياسة...
تاريخ أول نشر 2019/11/1