أحببنا الشيخ راشد و نحبه و سنبقى نحبه شيخا و زعيما و أخا أكبر ،علم الأجيال كيف يكون الانسان مسلما ملتزما بدينه ،محبا لأمته ووطنه ،يعيش عصره و ينهل من ماضيه التليد بعقل واع و روح نقدية تحفظ للأسلاف قدرهم و لا تبخس الأخلاف حقهم في الفهم و التجديد ،رافضا للإغتراب و التغريب أو بالأحرى الاغتراب في الماضي أو الاغتراب في الغرب. راشد الحرية في التفكير و الاجتهاد و الممارسة ،راشد الجرآة و الإقدام و الشجاعة في الإصداع بالرأي و اقتحام العقبة و إيقاظ النوم و الكسالى و عبدة التقليد أيا كان .راشد المجتهد في تأصيل قيم التعددية و الديمقراطية و الشورى و حق الاختلاف ،و المنافح بأسلوبه الحجاجي الذي استطاع أن يجمع فيه بين تخصصه الفلسفي و سعة اطلاعه الفكري و الفقهي ،و ذكاء لماح ووقاد ،و تركيب نفسي يميل للجرأة و لا يتهيب المواجهة ،و قدرة على الصياغة و تبليغ الفكرة .راشد العمل الذي لا يكل و القلم الذي لا يجف .
و لكن "راشدا آخر" يهدد راشدا الذي نحب ، أكل من شحمه و لحمه و أخشى أن يتجاوز ذلك ، إنه راشد الازدواجية: ازدواجية التنظيم بين ظاهر و باطن و أمير تنظيم و رئيس حزب،راشد الممارسة السياسية التي فضلت البطانة عن المؤسسة و الخارج عن الداخل و الآخر عن الذات، راشدا يضيق صدره ببعض إخوانه و ينفتح على مصراعية لـ"إخوة " جدد ينظر لـ"أخوتهم" في الوقت الذي يسحبها عمليا عن إخوة الأمس و إخوة الطريق الطويل و إخوة الماء و الملح و الدم و الدموع. راشد الذي يتنكر لعقله الناقد الجريئ المنهجي و لفكره و لماضيه من أجل أن يرضي قوما لو خرج من جلده ما عرفوه. راشد الذي حمل على المصالحة و المتصالحين في حركته بالأمس القريب - بالرغم من أنها قرار مؤتمر و قرارات شورى- في الوقت الذي يغرق بكل ما فيه و يغرق حركته في مصالحة مشوهة وقودها الرعب و الترهيب و الخوف والتخويف. راشد الذي غرق في وحل السياسة التقليدية بعد أن كان يدعو لإصلاح السياسة بل إعادة بناء السياسة لا بل تثوير السياسة . تلك السياسة ( بنت الكلب ) هي التي يمارسها للأسف بما فيها من خلط بين الاستراتيجيا و التكتيك و بين المبدأ والوسيلة بل أنها لم تعر كبير اهتمام للوسيلة من أجل غاية موهومة. سياسة تلتهم مكتسبات الثورة عوض أن تعززها و تحميها ،و تشرذم قوى الثورة عوض أن تحتضنهم وتقوي جانبهم.
راشد الذي ينقض ماضيه بحاضر بئيس اضطربت فيه بوصلته و تبعثرت في أولوياته و اختلطت فيه مقولاته.
من يصدق أن راشدا يقف اليوم و هذه الأيام بالضبط في خط غير خط المرزوقي ؟ من يتوقع أن راشدا يمكن أن يقف على الحياد في هذه المعركة ؟ لا بل من يمكن أن يمر بخياله أن راشدا يقبل أن تفتح الطريق سلبا أو إيجابا لتزييف الانتخابات؟
منذ 35 سنة زارنا الشيخ راشد في قبلي بمناسبة زفاف أستاذنا الكبير الأزهر النعمان طيب الله ثراه و كنت لازلت تلميذا في الثانوي ،و ألقى درسا في جامع "النزلة " ، لا زال عالقا في ذهني جوابه : حول الموقف من قرار العدو الصهيوني جعل القدس عاصمة لدولته المزعومة . و رد الشيخ أن العقل الإسلامي مصاب بخلل منهجي و خلل في الأولويات ذلك أن القدس محتلة و الناس تنتفض لجعلها عاصمة . فما الأولى العمل على تحريرها أم النواح على جعلها عاصمة ؟ هذا الجواب كان بالنسبة لي فتحا لا تتساوى أمامه كميات الكتب التي كنت ألتهمها في نهم ذلك الوقت. و هذه اليقظة المنهجية هي التي نبحث عنها الآن بل نبحث عن "راشدها".
تاريخ أول نشر 2014/12/13