search

المعنى الحقيقي للتفكير خارج الصندوق

فكرة ومنهج جميل احتفينا به كثيراً ... جاءنا مع موجة التمية البشرية التي اجتاحت العالم تسعينات القرن الماضي وهي حزء من نظام معرفي انجلوسكسوني /أمريكي ... لا شك أنها مفيدة وتسمح إلى حد بتكسير قوالب التفكير الجاهزة وتسمح بالوصول إلى افكار طريفة وحلول لمشكلات تعمينا عنها القوالب المعهودة ... لكن عند التفكير العميق تبدو الفكرة محدودة الإنتاجية .... فهي تسمح لك بالخروج من أسر الصندوق الصغير لكنها لن تمكنك من الخروج من الصندوق الذي اكبر منه وهو الفضاء المعرفي والاجتماعي والسياسي العام الذي يوجد داخله الصندوق الصغير ... ذلك الصندوق الأكبر لا يمكن ان يخترقه باقدار إلا الشباب .... والسبب في ذلك أن الشباب يقوده الحلم ويقوده المثال وتقوده الفطرة اكثر من قيود الواقع ببنيتيه الفوقية والتحتية ... الحلم والمثال والفكرة يقودونه لحب الخير والحق والجمال، وحب العدل والحرية والكرامة كما هي بدون تنسيب أو تأويل أو تزوير .... وفورة العاطفة وحرارة الدماء وتحرره من قيود الواقع وصفحة ذهنه التي لم تلوث بعد ... كل ذلك يجعل منه اقدر على الحركة واقدر على التغيير واقدر على البذل والفداء والجهاد والمجاهدة واكثر استعدادا لعدم تهيب دحر القوالب الجاهزة ورموزها المادية والبشرية ...

الدارس لتاريخ الحركات الاجتماعية يستطيع ان يلمح بوضوح أن أي حركة اجتماعية يستمر عطاؤها طالما كان الشباب يقودها وكان معينها من فئة الشباب مستمرا .... كما تتوقف عن العطاء تدريجيا كلما بدأ حضور الشباب فيها يتقلص ومعينها من فئته يسير نحو النضوب ...

وأين يذهب الشباب؟

مع الاخذ بعين الاعتبار فترة ركود محدودة بين مرحلة الموات التي تشهدها الحركة الاجتماعية الاولى .... ينطلق الشباب في شبه قانون اجتماعي صارم نحو بعث جديد .... يمثل واقعا التفكير العملي الواقعي "الحقيقي"خارج الصندوق ....

ذلك أن تلك الحركة تمثل حاجة اجتماعية بل وضرورة اجتماعية ... تولد غريبة ومنبوذة وبصمودها وتحديها تشق طريقها وتحتل مكانها شيئا فشيئا وتخترق مجال السلطة الاجتماعية بقدر ما تحمل فكرتها من قوة وأصالة وما تحمل فواعلها من قدرة وفاعلية وما تحمل شبكتها الاجتماعية من قدرة على الصمود امام الهجوم المضاد للمجتمع عليها ... وهو هجوم يقاوم الحركة من خلال استيعابها وتغييرها من داخلها.

ذلك هو المعنى الحقيقي للتفكير الفاعل خارج الصندوق والذي يساهم في حركة التغيير الاجتماعي ... قد يجد التشجيع من بعض نخب التفكير الحر ومثقفي العمق الاجتماعي وآحاد السياسيين الذين تركوا السياسة بعد أن اخذوا دروسا من تجربتهم .... لكنه يقاوم ممن سواهم حتى وإن بدا انهم نظريا معهم ودبجوا الخطب واعدوا البرامج المغرية لإدماجه .... قد تكون النوايا حسنة ... لكن الواقع اقوى وهم على مقاومته أضعف لأن "الحكمة" التي يدعون انهم استخلصوها من تجاربهم تمنعهم من ذلك فيفسدون الشباب من حيث يتصورون انهم يصلحون.

تاريخ أول نشر 5\5\2024