لا تؤشر الأحداث الجزئية مهما كانت مكانتها لانقلاب في مسار التاريخ ... و لكنها تؤشر لا محالة لانعطافة ثقافية برغم طبيعتها السياسية أو الاجتماعية البسيطة . وقوة الأحداث في رمزيتها أكثر من نتائجها على الأرض لأن سلطة الرمز في التغيير الإجتماعي ( الثقافي ) أقوى و أرسخ.
قد يتحول اليوم الثاني لحدث انتخاب سعاد عبد الرحيم على رأس بلدية تونس لحدث عادي، ولربما إلى يوم مزعج لسعاد ولمن معها، قد يسرق فرح اليوم الأول . ولكنه سيلامس فقط ظاهر الحدث، أما عمقه فقد خرج عن السيطرة لأنه تحقق في التاريخ كحدث فارق في رمزيته.
لا تولد الاحداث من فراغ فالتاريخ قاعدته التراكم ...
إنه يوم من أيام تونس له ما بعده، مشحون بالدلالات التي تفوق حتى نوايا من خططوا له.
المرأة تتقدم، و لكن بشروط المعطى الحضاري وليس بالإملاءات ... "تتمكن" و لكن وفق نمطها الاجتماعي، القائم على الجمع العقلاني بين متطلبات المستقبل و محددات الماضي.
لم تكن رئاسة سعاد للبلدية طفرة..
انها تتويج مرحلي لمسار تراكمي للمجتمع التونسي تمتد المساهمات فيه من زمن بعيد، لا يجوز فيه غمط جهد السلف و لا إنكار ما أنجزه الخلف . إنه تعبير عن وجه من وجوه الخصوصية التونسية التي تأولت النصوص المرجعية بمنطق يراعي تحديات الواقع وضروراته، حيث أنها إنما أنزلت لصلاح الانسان في الحال و المآل، و أنزلت تيسيرا له ورفعا للإصر والأغلال، وأنزلت تكريما له ورفعة واستخلافا .
لك أن تنتقد النهضة كيفما تشاء، لكنك لن تستطيع سلبها حيويتها كحزب، "يتقدم" لقيادة البلاد، و "تستقبله" البلاد لقيادتها بشروطها الحضارية و الثقافية قبل السياسية.