search

بناء الوعي ....... طريق طويل و شاق

استغرب أحيانا من رد فعل بعض الأصدقاء على الردود التي تبدو قاسية تجاههم عندما يطرحون أفكارا خارج المألوف و خارج ما استقر عليه وعي القوم، لا سيما في القضايا التي تلامس "أحكاما" فقهية.

لكنني استدرك، إذ الانسان في آخر المطاف ليس عقلا جافا وحده، و إنما هو مشاعر وأحاسيس ورغبات وطموحات ومسؤوليات اجتماعية والتزامات .

والتاريخ يشهد كم كانت ضريبة الصدع بالرأي قاسية ومكلفة، قد تصل ضرب الأعناق ناهيك عن المحاصرة النفسية والاجتماعية .

لكل ذلك تجد ذلك التهيب من العلماء والمفكرين من إعلان أفكارهم، إذ يميلون الى التعبير عنها بطرق وأساليب تبعدهم عن شبهة "خرق الإجماع" أو "التنطع" أو "الشذوذ". وربما اضطر بعضهم الى كتم رأيه السنين الطوال، ويبقى يتحين الفرص لإظهار مكتومه. وقد كتم الشيخ ابو زهرة رأيه في الرجم عشرين عاما .....و تجرأ الترابي فقدم رأيه في بقاء من أسلمت مع زوجها الكتابي، فكفر وبدع وفسق لخروجه عن "الإجماع"، لينتبه بعض خصومه بعد عشرين عاما أن في المسالة 12 قولا، 9 منها مذكورة في كتاب مشهور وفي متناولهم جميعا وهو كتاب "أحكام أهل الذمة" لابن قيم الجوزية.

الحقيقة أن تاريخنا زاخر بالشيئ ونقيضه. فكما أن فيه صفحة الجمود والتحجر وقمع الاختلاف والتفسيق والتبديع والتكفير، فإن فيه صفحة الحرية والإبداع وحق الاختلاف ناصعة البياض . و كتب الفقه والكلام مليئة بتتبع كل الاّراء وطرح كل الاجتهادات والنصوص لا تخلو من عبارات : "وخالف فلان" و "انفرد فلان" و " شذ فلان " و" قالت طا ئفة " و غيرها من العبارات التي تعلي عمليا الاختلاف و تحتفي به .

لقد كتبت و لا زلت أكتب داعيا أهل العلم إلى عدم الضيق بالرأي، والى تحمل أمانة التجديد لهذا الدين الذي لن تعود له دورته ولأمته عزتها بدونه.

تاريخ أول نشر 2018/8/18