هذا "كلام" تلجلج في صدري أياما قبل ان ادفع به اليوم خارجه ... وأرجو أن يحمل على أفضل مقاصده.
الحامة ... تلك المدينة الصغيرة ... لم ينقطع عطاؤها عن إنجاب الافذاذ الذين يتجاوز عطاؤهم دائرتها الضيقة إلى تونس بأكملها ... ولو انطلقنا فقط من القرن المنصرم، لقلنا أن لكل عشرية فيه "فتى" حامي ملأ الدنيا وشغل الناس ... إقدام واقتحام ... وجسارة واختراق لكل مثبطات العزم، وموهنات القيام، ومؤيدات القعود، ومراكمات السهاد والغطيط والرقاد ...
لم تتخلف يوما في معارك الشرف والعزة والنهوض ... وعند سقوط بطل من أبطالها، وانكسار سواري سفينتها لشدة العاصفة، تنام على جمر الضيم فلا تصبح إلا وقد اعدت خليفته، ينطلق حيث أوقف الأخير، يحمل مشعله، ويغذ السير لنفس الغاية النبيلة.
كوكبة رجال الحامة التي انطلقت مع الدغباحي ورفاقه، وواصلت مع محمد علي والحداد وجلولي فارس ونورالدين بن خذر والغنوشي، كلها كوكبة رجال أشاوس وأفذاذا، وعنوان شرف للحامة ولتونس بل وللعالم العربي والاسلامي ... والقاسم المشترك فيهم هو الرجولة والشهامة والمروءة واقتحام العقبة والثقة في النفس وعدم الخضوع والخنوع ....
ورغم أن الغنوشي قد وجد له الانقلاب من بني جلدته من يطعنه من خلف - إذ لا يطعنك إلا من كان أقرب إليك - فثلاثة من شخصيات الانقلاب من الحامة (سنية والإبراهيمين). فقد قيض الله له وللحامة فتيان الغيلوفي والجماعي وآخرون، يمسحون العار عنهم وعن الحوامية، الذين ما كان لتاريخهم المشرف أن يدنسه مستهترون.
ربما لا يدرك كثير من أهل الحامة إلا ثقل ما يلاقون من الحرب الدائرة رحاها ضد رمز من رموزهم، وربما تمنى بعضهم لو انشقت الأرض وابتلعت هؤلاء الذين "نغصوا" حياتهم، وجعلوا ألسنة السفلة تقذف بنتونتها عليهم ... لكنهم كما في كل مرة، سيجدون أن أولائك الأبطال، هم من يكتبون تاريخ الحامة الحقيقي، وهم فخرها وعزها ... ولربما تصارع بعضهم في غد قريب، يتسابقون على أن يربطوا لهم بهم نسبا دمويا أو معنويا ... كنت أرجو أن يكون لأهل الحامة وقفة في الانتصار للغنوشي مميزة يستحقها وهي عليهم واجبة ... هذا الرجل الذي ما إن أمسك بيديه المشعل حتى تجاوز به موطنه ووطنه وطاف به العالم ينشر به النور ويبدد به العتمة ... وهبة الانتصار له التي انطلقت من كل مكان ومن الدول وكبرى المؤسسات العالمية والشخصيات الاعتبارية والاكاديمية العالمية شاهدة على ذلك ...
مرة أخرى لا أكتب هذا الكلام إثارة لنعرات ولا توظيفا لمخزون يريد الجميع تجاوزه ... لكنني أستنهض همم أهلنا في الحامة أن لا يعيدوا الكرة مع كل فارس من فوارسهم ويتخلفوا عن نصرته حين تجب النصرة ...
يا أهلنا في الحامة ... الغنوشي فخركم وفخر تونس كلها ... فقد قام ينشد كل نبيل وجميل في قيمنا وشرفنا ولم يفعل إلا ما يرفع رؤسكم شرفا وعزا ... فكونوا له كما كان لكم ...