قدم الأستاذ حبيب بوعجيلة "ملاحظات سريعة" على الورقة التأطيرية لما يعرف بمبادرة الاتحاد ومن معه. وهي ملاحظات دقيقة أشاطره الرأي فيها ... ما أريد التأكيد عليه ومزيد تدقيقه من زاويتي هو ما يلي:
أولا : المكانة التي تعطى لما يطلق عليه بـ"المجتمع المدني"، تأخذ في الورقة ظاهرا وباطنا، حيزا ملفتا، ومدعاة للتوقف عنده. ليس من الوارد التعمق في الموضوع، ولكنني أقول، بين المجمع عليه من اهمية المجتمع المدني، وبين توظيف هذا المجال، واتخاذه مطية لمزاحمة "المجتمع السياسي الحزبي"، الذي هو بالتعريف المعني بالتنافس على المسك بسلطات الدولة في مجتمع ديمقراطي وإدارتها، باعتبار ان الدولة في مجتمع ديمقراطي يجب ان تدار وفق نظام تمثيلي واختيار شعبي عبر انتخابات حرة نزيهة وشفافة ... قلت إن بين الإثنين بون بائن ... والاستثناء الذي يسمح في مجتمع ديمقراطي، بانتقال كوادر في المجتمع المدني الى المجتمع السياسي يؤكد القاعدة ولا ينفيها.
لكن المهم ان "مجتمعا مدنيا" لا يخضع جزء منه إلى قاعدة الانتماء المفتوح والاختيار الديمقراطي، أو ان "ديمقراطيته" لا تقل عرجا حتى لا نقول فسادا عن "المجتمع السياسي الحزبي" لا يمكن ان ينتصب حكما أوحاكما على الآخرين.
ثانيا: كل من يتقدم ببرنامج إنقاذ أو إصلاح ولا يكون قادرا على تقديم نقده الذاتي ونصيبه من المسؤولية في ما آلت إليه الأوضاع، لا يمكن ان يكون مصلحا ولا منقذا .... فإذا تمادى في التجاهل والقفز على هذه النقطة فلا يلومن من يرى فيه غرا يهتبل فرصة.
ثالثا: تونس قرية صغيرة تعرف فيها الناس بعضها جيدا، ولا يمكن ان تخفي الالقاب والمؤسسات هويات من فيها .... لذلك فإن الاصطفاف الاقصائي وبعضه استئصالي لن يأتي بخير ... ومن هنا توجس البعض مما يدور، واعتباره مواصلة بشكل ما للانقلاب .... غاية ما في الأمر أن أصحاب هذه الرؤية قد ضاقوا ذرعا برأسه .... وتغدو حينئذ بعض الجمل والفقرات في الورقة مجرد استراتيجيات خطاب مخاتل.
رابعا: من هذا الباب يأتي التوجس القديم/ الجديد من "مجتمع مدني" عجز عن المقارعة في الصناديق، فاتخذ طريقا للتسلل للدولة، بما هي في عرفهم سلطة تقنين وتقرير واحتكار لممارسة السلطة، من وراء ما تفرزه الصناديق التي لا قبل لهم بها.
خامسا: إن إغفال زاوية المكانة التي اعطيت لنوعية معينة من "المجتمع المدني"، التي تغدق عليها الأموال من مؤسسات الغرب دولا ومنظمات، في سياسة اعتمدت منذ أواخر القرن الماضي، لممارسة التأثير وفرض الاجندات السياسية والثقافية والاجتماعية. إن ٱغفال هذه الزاوية لا يدل إلا على سذاجة أو وقوع تحت مطرقة الهرسلة التي تمارسها هذه المنظمات.
سادسا: وبهذه المناسبة، الى متى نبقى ضحايا التسميات الملتبسة ؟ مجتمع مدني ؟ لماذا حصر المدنية في تلك المنظمات؟ أليس المجتمع السياسي الحزبي منظمات مدنية هي ايضا؟ نتذكر مقولة " الدولة المدنية" ... تقولون لا مشاحة في المصطلحات .... نعم ولكن لحد ما ... لأكن صريحا .... للإتحاد مكانة باعتباره منظمة لها تاريخ و لها آلاف المنخرطين، وتقوم على الانتخاب ولو أن فيه ما في الاحزاب من خور .... هيئة المحامين أيضا مع فارق كبير في حجم المنخرطين لكنها على كل مفتوحة الانخراط ... الرابطة ؟ عدا تاريخ مشرف ماذا بقي منها ؟ ومالذي تمثله؟ كيان مغلق يديره فصيلان ماركسيان لينينيان يتنازعان ولكنهما متفقان في ان لا يدخل الرابطة إلا من يرضيا عنه ... هذه هي الرابطة الآن للأسف ... بأي شرعية تكون حكما وهي لم يبق منها إلا "جلد على عظم"؟ نأتي للمنتدى وما ادراك ما المنتدى ؟ ما هي شرعيته ؟ مركز بحث وتجمع لبعض المنظمات/الجمعيات القائمة على الولاءات ...
لا أقول هذا من باب "الشكارة والبحر" ... ولكن لأقول للجميع لا إصلاح بدون شجاعة الاعتراف بالمسؤولية، وبدون نبذ الاقصاء، وبدون توحيد قاعدة التعامل .... لا ديمقراطية بدون دبمقراطيبن ....