واكبت اليوم ندوة هامة جدا في مؤسسة التميمي، أثثها الخبيران التونسيان جمال الدين العويديدي وجنات بن عبد الله، كشفا فيها كيف تقوم الحكومة التونسية ممثلة في وزارة المالية ووزارة التجارة والبنك المركزي التونسي بتزوير الاحصائيات المتعلقة بميزان التجارة الخارجية وميزان الدفوعات، من اجل التقليص في العجز في الميزان التجاري بما قيمته لهذه السنة 13.5 مليار دينار، لتكون 25 مليار دينار عوضا عن أكثر من 38 مليار دينار العجز الحقيقي. والادهى ان عملية الاحصاء تلك مخالفة للمعايير الدولية المعتمدة. بل إنها مخالفة للمنطق الحسابي البسيط الذي يمكن ان يدركه أي شخص له حد معرفي قد لا يتجاوز الباكالوريا. والأنكى ان هذا يتم بتواطئ من المنظمات الدولية، مما يكشف الخلفية الاستغلالية الفاضحة لتلك المنظمات وللدول الواقفة ورائها.
منذ سنوات، عندما أثير العجز التجاري مع تركيا، في حملة مشبوهة تهدف في جوهرها الى حرب تقيمها نخبنا بالوكالة عن الدول الاوروبية ولا سيما فرنسا، لإقصاء منافس تجاري لها في تونس لا اكثر ولا أقل، منذ ذلك الحين، لم يتقبل عقلي بتاتا فكرة عدم وجود عجز تجاري مع الدول الاوروبية. وبدا لي يقينا ان في الامر إن. وقد كتبت تدوينة أستغرب فيها الأمر، جازما بأن الواقع لا يمكن ان يكون كما يزعمون. بل إنني قبل ذلك بسنوات، أذكر انه في إطار الحديث عن ترتيب الشركاء الاقتصاديبن لأبانيا، البلد الذي كنت اقيم فيه، استغربت كيف تكون إيطاليا شريك رقم واحد وتركيا رقم إثنين، في حين ان الاستثمارات التركية الحقيقية أكبر من إيطاليا. فقال لي صاحبي معك حق، التفوق الذي يظهر لايطاليا سببه شركات المناولة الاوفشور (الشركات غير المقيمة). قلت له ولكن دور هذه الشركات في الاقتصاد محدود لا يتعدى قطاع الخدمات ( تشغيل اليد العاملة)، لكنها لا تورد للدولة شيئا ولا تصدر منها شيئا، فكيف يحتسب ما تسترجعه من بضاعة تصديرا، والحال انه لا يرجع ثمنه بعد البيع، كما ان البضاعة الموردة لتلك المصانع ليس عليها ضرائب ديوانية. كل ما نشاهده عملية تلاعب وخداع وتزوير تمارس بتواطئ من الدولة والدول الاوروببة والمنظمات الدولية، ويتم استهبال الجميع بشكل لا يمكن ان يتصوره عاقل، ولكنها حقيقة مرة.
حدثنا السيد العويديدي والسيدة جنات على الجهود التي بذلاها من اجل اكتشاف ذلك التلاعب والتزوير، وواجهوا به موظفي صندوق النقد الدولي والمسؤولين التونسيين الذين لم يستطيعوا إنكارها، ولكنهم تمادوا في اعتماد طرقهم المضللة في الاحصاء، التي لم تعد معتمدة قانونيا وفق الاتفاقية التي اعدوها هم ووقعت عليها الحكومة التونسية. لكن يبدو انها فقط للاستهلاك الاعلامي والتضليل المؤسساتي. ما زالت وزارة التجارة التونسية ووزارة المالية والبنك المركزي يعتمد الطريقة التي لم تعد قانونية على الاقل منذ سنة 2008 تاريخ تغيررها رسميا.
انصح الأصدقاء بقراءة مقالات الاستاذ جمال الدين العويديدي والاستاذة جنات بن عبد الله. سترون أننا امام عمليات تلاعب تتم على الملأ، ويساهم فيها الجميع بشكل فاضح، معتمدين على عمليات التضليل الاعلامي، ومحاصرة كل من يحاول كشف الحقيقة بل قد يصل الامر الى التهديد بالتصفية.
كم مذهل من المعطيات التي تكشف الزيف والفساد والتواطئ، وأقلها عدم المسؤولية الذي وقع فيه جميع من تداولوا على الحكم. عندما تستمع لكل ذلك، لا يساورك ادنى شك في أن الاحتلال لم يقرر الخروج بجيشه من أرضنا إلا بعد أن وجد سبيلا أقل كلفة. وهو ما اقدم عليه بعدما قرر منحنا "استقلالا شكليا" ليستمر في نهبنا باستعمال جهاز دولتنا و مواردنا البشرية التي صنع أغلبها على عينه.