استمعت للسيد الأسعد الذوادي رئيس المعهد التونسي للمستشارين الجبائيين في إذاعة إكسبريس أف أم .... السيد الأسعد ربما غني عن التعريف .... جريئ واثق من نفسه ومما يقدمه من آراء خاصة في مجال الجباية .... يردد مقولة بليغة : "أن تونس ضحية الجهل والفساد" ... والجهل إذا أصر عليه صاحبه أو إذا تقدم صاحبه لتحمل المسؤولية هو فساد أيضا ... فساد من رشحه ومن أولاه ومن حمله الأمانة.
يحرص الغرب على دعم الفاسدين لتحمل المسؤولية وإذا استطاع الظفر بالفاسدين الجهلة فذلك أفضل ... والمعنى للأسعد الذوادي ....
بخصوص تعليقه على كلام الرئيس حول الهبات والقروض التي تذهب للفاسدين ... يؤكد الأسعد الذوادي على ذلك ويشرح كيف يتم ذلك ... حيث أن مانحيها من الدول والمؤسسات الغربية الخاصة تعمد الى نهبها عن طريق فرض تنفيذ برامجها عن طريق مؤسساتها المتخصصة ومكاتب استشاراتها .... وأحيانا يكون هناك "عمل جبار" للحصول على هبة لتونس يقوم به في الحقيقة "السماسرة" الغربيون الذين يأخذون أغلب الهبة بفرض الفوز بعقد تنفيذها شكليا في حين أن العمل يقوم به تونسي أو شركة مناولة تونسية ترضى بالفتات الذي يعطى لها ....
في الحقيقة ما يقوله السيد الأسعد الذوادي صحيح ومن له متابعة أو معايشة من قريب لمجال القروض والهبات يدرك ذلك بجلاء .... إنه اخطبوط عالمي فيه تماسيح كبيرة متخصصة في جلب القروض والهبات للدول مقابل التمتع بنسب عالية جدا منها.... ولكي ينجح هذا الأخطبوط يعمد إلى توظيف "الحيتان " في البلد المعني الذين يشاركون أولائك نهب خيرات بلدهم وإثقال كاهلها بل وكاهل الأجيال القادمة بقروض يذهب أغلبها في جيوب من منحوها لنا وفتات للمرتزقة المحليين في الحكومات والإدارات ومكاتب الاستشارات و الشركات الخاصة ....
هل يعني ذلك أن الأسعد الذوادي يوافق سعيد في ما قاله .... لا أعتقد ذلك .... فسعيد يتهم التونسيين في حين أن الذوادي يقول أن التونسيين مجرد سماسرة وعمال مناولة ومتمعشين .... صحيح أنهم شركاء في الجريمة ... لكن المجرمين الحقيقيين هم الحكومات والمنظمات الغربية ذاتها ....
سعيد يمارس الشعبوية .... فلن يأتي بطائل من لجان الفحص التي سينشؤها بل لعلها ستتكون من أولائك الذين تمعشوا من ذلك النهب وفي أفضل حالاتها ستدين السماسرة والخماسة المحليين الذين يعتبر من نهبوه زهيدا أمام أعرافهم .... فضلا عن أن أعرافهم لن يبقوا مكتوفي الأيدي أمام محاولة إدانة "خماستهم" ...
هل أن ممثل صندوق النقد الدولي يقول الحقيقة ؟ لا طبعا لا يقول الحقيقة وهو أعلم من غيره بالطريق التي تسلكها القروض وكيف يتم تنفيذها .... هو نفسه قال كلاما مواربا : trassabilite .... هو يعلم جيدا أن هناك "عمولات مفروضة" وراء كل قرض أو هبة توزع حصصا في الداخل والخارج ....
ثم الفساد الآخر المتعلق بإسناد عقود التنفيذ لبرامج الهبات والقروض حيث تشترط بعض الدول أو المجموعات كالاتحاد الأوروبي أن يتم التنفيذ عن طريق شركاتها .... وهنا أيضا عمل رهيب في السمسرة والفساد .... وبعد ذلك تخضع البرامج والمشاريع فريسة " تمكميك" "عصابات النهب والابتزاز " المحلية المزروعة في الإدارات الحكومية.
منذ عشرين عاما صرح حسني مبارك في أحد تدخلاته العفوية أن ما يقدم إليهم من قروض وهبات بذهب إلى مانحيه .... ربما هو منزعج لأن "حصة العائلة " من ذلك تعتبر مجرد "فكة" ....
ملاحظتي على ما يقوله سي الأسعد الذوادي أن حديثه عن قدرة الدولة على تعبئة مواردها بما تحتاجه وزيادة فيه نوع من الشعبوية .... ذلك أن الحركة الاقتصادية كل متشابك وإصلاحها يحتاج النظر لجوانبها كلها .... والإصلاح إما أن يكون شاملا أو لا يكون .... بدءا من المنوال الأقتصادي الأجتماعي الذي يحتاج بدوره توافقا وطنيا عاما وتغييرا لكل المناويل الأخرى الثقافية والتعليمية والسياسية.
الفساد ضارب بجذوره في كل زاوية و المنوال الإقتصادي القائم على الريع وليس على العمل والانتاج ضارب في تاريخ البلد لأكثر من 170 عاما ولا يتغير إلا جزئيا .... و" المناولة " و"الخماسة" و"السمسرة" مكون أساسي في ثقافة الشعب .... وتغيير الثقافة يحتاج عشريات حتى لا نقول أجيال .....
تحضرني طرفة حكاها لي صديق .... قال أنه عمل مرة محاسبا في مخبزة ... وبدأ عمله بكل "حزم" .... اكتشف أن موزع الخبز يتحيل ويسرق المخبزة ... فضيق عليه وشدد في مراقبته .... غير أنه فوجئ بصاحب المخبزة يقول له : خفف على فلان.... لقد كان لتشديدك عليه أثر مباشر على مبيعاتنا حيث انخفضت كميتها و تأثرت مداخيلنا وقلت أرباحنا !