search

جدل العلمانية والإسلام

من خلال المتابعة نلاحظ أن العلمانية فقدت جاذبيتها ولم يعد لها مدافعون عنها أشداء، وتبقى من دعاتها قلة يتخفون وراء مقولات الحداثة والحرية والمعاصرة.

لكن في مقابل ذلك يشتد العداء للدور السياسي والأخلاقي والإجتماعي للدين، من فئات متأدلجة متحجرة في تأدلجها، أو مفرطة في تحزبيتها، وسطحية في مقارباتها لتحولات مجتمعاتنا، فلا ترى في أي مبادرة إصلاحية أو دعوة تغييرية إلا "أخونة"بزعمها، أو هيمنة من "الإسلام السياسي"، وهما مقولتان فضفاضتان يجمع تحت مسماهما كل ما لا يريده هؤلاء السياسيون الكسالى، سياسيو الضد والسلب. وهذا يذكرنا بمقولة "السلفية" في بداية ثمانينات القرن الماضي. إذ كان يتم إطلاقها من طرف جماعات "الدين أفيون الشعوب"أو طائفة نظرية "المراحل الثلاث"، على كل أشكال التدين أو الإلتزام الديني الفردي والجماعي الطقوسي والخلقي والروحي والعرفاني. لذلك تحول التفكير النقدي من دراسة العقائد والمناهج والنظريات والظاهرات الإجتماعية والأنثروبولوجية، إلى ملاحقات فكرية تراقب وتعاقب أي استناد في التفكير والخطاب إلى المرجعيات العقدية والمذهبية الدينية، ولو كان من منطلقات علمية ومنهجية .

لقد عد مفكرون عرب العلمانية ضرورة تاريخية، وعدها معارضون لهم مما يدخل تحت قاعدة"لزوم ما لا يلزم". ولم يدرك الفريق الأول أن للبيئة الثقافية الإسلامية خصوصيتها، وأنها تحتمل كل الإجتهادات والتأويلات شريطة عدم ادعاء امتلاك الحقيقة، أو الزعم أنها معها المبتدأ والمنتهى لا مجرد وجهة نظر. كما لم يدرك الفريق الثاني، وهو الذي طالما ادعى أن للإسلام اشتراكيته (العدالة)، وله ديمقراطيته (الشورى)، وماليته، وأخلاقه وفلسفته، ولم يكلفوا انفسهم البحث أو الإدعاء أن له علمانيته، أي طريقته في رعاية التعدد، وتنظيم الإختلاف، وتكييف معادلة الدين والسياسة والإسلام والدولة .

وبالمقارنة بين دعاة العلمانية في عصر النهضة العربية، ومناهضي "الإسلام السياسي" زمن العجز العربي والعولمة، نجد أن مفكري القرنين التاسع عشر والعشرين، كانوا دعاة إصلاح واتحاد ونهوض، ولم يكن لهم عداء للدين ولا للديمقراطية، في حين أن جماعة الأنتي -أخونة الحاليين، ضد الديمقراطية لأنها حسب فهمهم تضعف الدولة وتقوي الفوضى المجتمعية، وضد التدين والمرجعية الإسلامية لأنها تطرف يفضي إلى الإرهاب. ولم يتساءلوا ما مسؤولية الإستبداد الذي يشدهم الحنين إلى أيامه في نشوء أفكار وتيارات التشدد، ودور العلمانية المشوهة في احداث حالة ريبة تجاه الحداثة والحداثيين، ودور الاستبداد في تعميق الإنقسام المجتمعي وإجهاض مشاريع إقامة مواطنة كاملة تضمن الكرامة والمساواة والإيمان بالواجب تجاه المجتمع والدولة.

نسي الفريقان أن الدين اكتمل مع محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه أشمل من كل ما سبقه من الأديان والإيديولوجيات، وأن العلمانية مشروع غير مكتمل كما يقول ذلك الفيلسوف الألماني "هابرماس "، وأنها لا تستوطن في المجتمعات بكيفية واحدة، وأن عدم بلوغها مرتبة النموذج الموحد والملزم لا يجعل منها دينا ولا يجعل منها معيارا، ولكن يجعلها امكانية وحلا ممكنا غير نهائي ولا دائم ولا ملزم .

تاريخ أول نشر 2020/11/8