search

حديث النفس ... كيف أرى الشيخ عبد الفتاح مورو

بمناسبة المقال المميز الذي كتبه الأخ العجمي الوريمي حول الشيخ عبد الفتاح مورو، رأيت من المناسب التذكير بهذا النص الذي نشرته في مجموعة الصفا عندما تم ترشيح الشيخ عبد الفتاح للنتخابات الرئاسية. ولئن كان النص كتب في سياقات أخرى إلا أن جوهره يتجاوز ذلك. لذلك رأيت أن أنشره كما هو.

--------------------------------------------------------------------------------------------------

انشغلت بدراسة شخصية الشيخ عبد الفتاح مورو وموقعه في الحركة مثل الكثيرين .... والدراسة حوله صعبة. فهو متكلم أكثر منه كاتبا، خاصة في زمان كانت فيه وسائل التواصل محدودة، لا تتجاوز المكتوب الا الى شريط الكاسيت الذي كان محدودا هو ايضا، بسبب تضييق النظام على النشر وعلى الشيخ نفسه .

لكن المتوفر عنه وعن مواقفه وسيرته وما ينقل عنه وحوله داخل أوساط الحركة سمح لي مبكرا بتكوين موقف لم تزده الايام الا تأكيدا .

الشيخ عبد الفتاح مورو شخصية ذات خصائص متفردة، فهو مفكر لا يكتب، وزعيم سياسي ينفر من التزامات التنظيمات، وخاصة التنظيمات الأيديولوجية على النسق الذي صيغ في الفضاء المعارض المعاصر، والقائم على السرية والازدواجية والشمولية .

يمتلك الشيخ عبد الفتاح مورو رؤية اصلاحية بعيدة عن أوهام النظريات التغييرية الجذرية والانقلابية.

ولانه تربى ونشأ في الفضاء الاصلاحي الوطني، بمعاشرة من تبقى من ممثليه من مشائخ الزيتونة وعلى رأسهم العاشورين وخاصة أستاذه الشيخ الفاضل بن عاشور، فقد لقح مبكرا ضد نظريات التنظم الحزبي الحديثة القائمة على ما ذكرنا أعلاه .

وبقدر ما انتقى من منتوج حركة الاخوان المسلمين الفكري بقدر ما لم يستسغ نظريتها التنظيمية ووجد في نفسه انقباضا تجاهها، ومن هنا ايضا كانت جل انتقادات الكثيرين له داخل الحركة خاصة أولائك الذين تشبعوا بالمنهج الإخواني في التنظيم والحركة.

يقول الشيخ عبد الفتاح مورو أن نخبة الحركة رجعت الى مواقفه وأفكاره ومنهجه في التعامل مع الواقع، وهذا صحيح بدرجة كبيرة، ذلك ان الجميع حاولوا صعود الجبل مبكرا ومن أصعب شعابه، ثم اضطروا للنزول ليعاودوا الصعود من الطريق المناسب، ويكاد الشيخ عبد الفتاح مورو ان يكون وحده من سلك طريقا لم يضطر فيه الى النزول ومعاودة الصعود من جديد.

غالب نخبة الحركة افتتنت "بالحلول المستوردة" في التنظم والتغيير، لكن الشيخ عبد الفتاح مورو لم يصب بتلك الفتنة.

كلنا يتذكر ذلك النص الشهير في المعرفة "بحثا عن الحلقة المفقودة " ليشير إليها في تنظيم اخواني مبكّر بقيادة الشيخ محي الدين القليبي!

لكن الحلقة في الحقيقة كانت في صلب الحركة، ممثلة في الشيخ عبد الفتاح مورو، الذي كان حلقة الوصل الطبيعية بين حركة الاصلاح التونسي، التونسية لحما ودما، أصيلة في تربتها، ومنفتحة في أغصانها واوراقها، تستقبل الجديد والحديث لتدمجه بطريقتها في كيانها .

في هذا الإطار يمكن لك ان تفهم ما حصل مع الشيخ عبدالفتاح مورو داخل الحركة، وكيف أن طيفا مهما عارض وجوده في الهيئة التأسيسية لحركة النهضة سنة ٨٨، وعارض بأكثر شراسة وجوده سنة ٢٠١٢!

وحده الشيخ راشد الغنوشي من كان يدرك قيمته، وكان يصر في كل مناسبة على عدم استثنائه، وكان يجد صعوبة كبيرة في تمريره أحيانا.

هنا يكمن وعي الشيخ راشد وذكائه الحاد!