search

حركة النهضة نعم أخطأت

1. لست، هنا، معنيّا بالدفاع عن حركة النهضة.. هي أولى بالدفاع عن نفسها وقياداتُها أفصح منّي لسانا وأكثر بيانا وأدرى بالذي كان من كواليس السياسة ومستجدّاتها طيلة عشريّة الانتقال الديمقراطيّ. ما يعنيني هو البحث عن مشتركات تساعد هذا البلد على الخروج من مأزقه المصطَنَع الناجم عن صراعاته المتخلّفة المحبطة.. صراعات غرائزيّة لا أساس لها ولا معنى، أرهقتنا وخنقت آمالنا وضاعفت من آلامنا. تخليق الصراعات وإعادة إنتاجها بين الفرقاء، كما لو كانت بينها عداوات وجوديّة، من يحرص عليهما لا أظنّه يريد بهذا البلد خيرا، ولست أرى له بالوطن والوطنيّة صلة.

ولو أنّ "النخب" الفاعلة في تونس فهمت رسالة شعبها والتقطت لحظة ثورته ودخلت مدخل نكران الذات وإعذار الخصوم وتخفّفت من غرورها لربّما كانت البلاد قد استمرّت في انتقالها وأصلحت الاقتصاد مثلما فعلت بالسياسة في سنوات المجلس الوطنيّ التأسيسيّ، ولخرجت من الاختناق الاستبدادي مرّة واحدة. ولكنّهم لم يفعلوا، فهدموا البيت عليهم وعلى جميع من فيه وعكفوا على اتّهام بعضهم بعضا. كل فرقة منهم ترى نفسها هي الناجية وترى الذين من دونها في الدرك الأسفل من النار، وقد نسيت جميع الفرق أنّ النجاة لا تكون إلّا جماعيّة. ولا نجاة لمن طلب النجاة وحده وظنّ أنّه مدركها.

2. يروّج خصوم حركة النهضة مغالطة كبرى تجعل منها هي المسؤولة وحدها عن كلّ الذي جرى في عشرية الانتقال الديمقراطيّ التي يحلو لأبناء الدولة العميقة العقيمة أن يلوّنوها بالسواد، فيقولوا سوداء عن عشر سنوات هي من أفضل ما شهدته تونس من تاريخها حتّى صارت إحدى منارات الحرية في العالَم. وأجمِل بها من حرية دافعت عن نفسها عشر سنوات تامّات رغم كثرة الأعداء يتهافتون عليها يأكلون من ثمرها لينتهوا إلى نحرها.

لقد أثبتت العشريّة السابقة أنّ الديمقراطيّة ممكنة عربيًّا لولا تهافت أعداء الديمقراطية عليها. وأثبتت الحريّة أنّ خراجها لأهلها ولأعدائها على حدّ سواء.

3. هل حكمت النهضة؟

لك أن تقول عن النهضة إنّها كانت في عشرية الانتقال الديمقراطي عاجزة عن فعل شيء يحقّق انتظارات ناخبيها، فاشلةً في أداء ما عليها، ولك أن تقول إنّ الإسلام السياسيّ تيّار احتجاجيّ لا يستطيع أن يبنيَ شيئا في ظلّ الدولة الحديثة لاستحالة "دولته" التي يعد بها في سياق حداثويّة دخيلة ترفض قيمه من أساسها وتحسب نفسها نقيضا لها، ولكن ليس من العدل ولا من العقل أن تقول إنّ النهضة حكمت وأنّها تتحمّل مسؤوليّة الحكم وحدها. هذا ظلم والظلم يهدم العمران ولا يبني الأوطان.

لا أحبّ إلقاء اللوم على الذين قطعوا عليها الطريق وتباهوا بذلك في أثناء الانتقال وتفاخروا بما فعلوا بعد الانقلاب. هؤلاء كانوا مكلَّفين بمهمّة أنجزوها وحقّقوا أهدافهم وسيتولّى التاريخ أمرهم. وليس هنا مقام القول فيهم.

4. جاءت الثورة بالانتخابات آليةً للحكم. وقد فازت النهضة في انتخابات أكتوبر2011 بـــ 89 مقعدا في المجلس الوطنيّ التأسيسيّ. كان على المجلس أن يضع دستورا في مدةّ زمنيّة معيّنة، غير أنّه تجاوز مدّته لإنجاز مهمّته بفعل ما كان من تجاذبات لم تكن النهضة أكثر من طرف فيها. وإن كان في تجاوز المجلس لمدّته خطأ فالجميع شركاء في الخطأ. على أنّ السطوة، في تلك الفترة، كانت للأعلى صوتا ولمن كان له، قبل الثورة، بدوائر الحكم صلة.. ونصّب نفسه بعدها حكَما لم يُخف انحيازه.

طرفان منحازان إلى جهة واحدة لعبا دورا رئيسا في هذه المرحلة هما الإعلام واتّحاد الشغل. لقد عملا معا لأجل قطع الطريق على مسار الانتقال إلى الديمقراطيّة، واشتغلت ماكينة الاغتيال السياسيّ لخلط الأوراق وتلويث المناخ وحمل الناس على الندم على الاستبشار بثورة ظنّوا أنّها ستنقذهم من دائرة الاستبداد والفساد الجهنّميّة.

الاتحاد والإعلام تحالفا بطريقة أو بأخرى مع الإرهاب على مسار الانتقال فخرّبوه.. وأدخلوا البلاد في متاهة، الله وحده يعلم متى تخرج منها.

5. شهدت البلاد ثلاث محطّات انتخابية كبرى، كلّ ذنب حركة النهضة أنّه كان لها نصيب معتبَر فيها. لقد ثبت لها في مختلِف الاستحقاقات الانتخابية رصيدٌ انتخابيٌّ معتبَرٌ في حين كان آخرون يظهرون، في كلّ مرّة، ويختفون من المشهد بعد تصدُّرٍ.. يهيجون مثل نبات جاء به الماء ثمّ يصير هشيمًا تذروه الرياح.

فازت النهضة في انتخابات 23 أكتوبر2011 بـــ 89 مقعدا. وتشكّلت بمقتضى تلك الانتخابات

- حكومة حمادي الجبالي من 24 ديسمبر 2011 إلى 13 مارس 2013. وقد تكوّنت حكومة الجبالي من 30 وزيرا و11 كتاب دولة. وكان نصيب "النهضة" 14 وزيرا وكاتب دولة واحدا. وقد أنهت عمر الجبالي السياسيّ عمليةُ اغتيال شكري بلعيد.

- ثمّ جاءت بعد اغتيال بلعيد حكومة علي العريض من 13 مارس 2013 إلى 23 جانفي 2014. وتكوّنت من 27 وزيرا و10 كتاب دولة. وكان نصيب حركة "النهضة" في هذه الحكومة 11 وزيرا وكاتب دولة وحيدا. وعجّلت عمليّة اغتيال محمّد البراهمي بنهاية حكومة علي العريّض.

- حكومة التكنوقراط بقيادة مهدي جمعة من 29 جانفي 2014 إلى 6 فيفري 2015. وتشكّلت من 21 وزيرا و7 كتاب دولة كانوا جميعهم من الكفاءات المستقلّة، ولم يكن للنهضة وزراء في حكومة جمعة.

وفي انتخابات 2014 أحرزت النهضة المرتبة الثانية بحصولها على 69 مقعدا،

- وتشكّلت، على أساس تلك الانتخابات، حكومة الحبيب الصيد الأولى من 6 فيفري 2015 إلى 6 جانفي 2016. وتكوّنت من 26 وزيرا و14 كاتب دولة. وكانت حصة "النهضة" منها وزيرا واحدا و3 كتاب دولة فقط.

- حكومة الصيد الثانية من 6 جانفي 2016 إلى 29 أوت 2016.. وكان عدد وزرائها 32، حصلت "النهضة" منهم على وزيرين فقط.

- حكومة يوسف الشّاهد الأولى 28 أوت 2016 إلى 6 نوفمبر 2018. تكوّنت من 28 وزيرا و14 كاتب دولة. وكان نصيب النهضة فيها 4 وزراء و3 كتّاب دولة.

- حكومة الشاهد الثانية من 14 نوفمبر 2018 إلى 28 فيفري 2020. تكوّنت من 28 وزيرا و14 كاتب دولة نالت "النهضة" منها 4 وزراء و3 كتاب دولة.

أمّا في انتخابات 2019 فقد فازت النهضة ب52 مقعدا في البرلمان، وحظيت بالمرتبة الأولى

- وتشكلت حكومة إلياس الفخفاخ من 28 فيفري 2020 إلى 3 سبتمبر 2020

وتكوّنت الحكومة من 29 وزيرا و3 كتاب دولة. ونالت "النهضة" 6 وزارات، ثمّ إنّ الفخفاخ أقال جميع وزراء النهضة ردا على سحب الحركة ثقتها منه قبيل إعلان استقالته.

6. عرفت عشرية الحرية 219 وزيرا 42 فقط منهم من النهضة.. وهي نسبة أقل من 20 %، و73 كاتب دولة، 11 من بينهم فقط من حركة النهضة.. وهي نسبة 17 % .

7. لقد اضطُرّ الباجي قائد السبسي رئيس حزب نداء تونس الذي صُنع خصّيصا لمحاصرة حركة النهضة، وهي خطوة محسوبة لإخراجها من المشهد، اضطُرّ إلى مشاركتها في حكم لم يكن لها منه شيء، إذ لم يُسمَح لها بأكثر من مشاركة رمزيّة تساعدهم على تحميلها المسؤولية على الأخطاء وتعليق الإخفاقات عليها. وقد نجحوا في ذلك، فعلا. كانت النهضة هي رافعة أثقالهم حملت عنهم أوزار الحكم بعد ثورة قامت على أنقاض تحالف طويل بين الفساد والاستبداد. كانت الحركة واعية بذلك. وكانت القيادة تعاني من امتعاض القواعد الذين لم يرضوا لها أن تكون هدفا لابتزاز خصوم يتربّصون بها، ولم يتعبوا من الكيد لها في السرّ وفي العلن. وكانت القيادة ترى نفسها مستأمنة على الثورة والدولة والبلد. وكانت ترى في نفسها أمّ الولد.

كانت النهضة تتحمّل كلّ ذلك في سبيل أن تطبّع مع الدولة، والدولة ترى فيها عدوّا لها. غير أنّ الخصوم انتهوا إلى قتل الولد وانفردوا بالأمّ ينكّلون بها. وضاعت الدولة والثورة كلتاهما. وعادت البلاد إلى مربّع أسوأ من المربّع النوفمبري الذي ظنّ الشعب أنه وضع له حدّا واختار النهضةَ لقيادة دولته في أكثر من استحقاق انتخابيّ. كان الشعب يختار وكانت النخب المتنفّذة تردّ عليه اختياره. الشعب عند هؤلاء غير عاقل وليس أهلا للاختيار. واختياراته مردودة عليه.

8. بعض الذين شاركوا النهضة في حكم العشرية يطالبونها، وحدها، بالاعتذار بعد أن انتهى بهم كيدهم إلى الانقلاب عليها وعلى أنفسهم.. ومن بين هؤلاء من كانوا معها وزراء.. يتفصّون، الآن، من المسؤوليّة ويحمّلونها وحدها إيّاها.. كأنّهم يكفّرون عن ذنوبهم باتخاذ النهضة قربانا لهم.

وبعض أنصار الشعبوية الزاحفة يطالبون بمحاسبتها دون غيرها.. وهم الذين تسلّلوا إلى المشهد السياسي من العدم. لم يشاركوا في مقاومة الاستبداد ولم يساهموا في مرحلة البناء. ومنهم من كان قبل الثورة ضمن ماكينة الاستبداد والفساد وتحوّل في زمن الحريات إلى قاطع للطريق.. ثمّ صار بعد الانقلاب قاضيا يحاكم حركة النهضة.

فلماذا يحملونها الأوزار وحدها؟

9. يبدو لي أنّ النهضة كانت عنوانا رئيسا من عناوين عشرية الحرية. وبفضلها تأجّل الانقلاب عشر سنوات. وما الدعوات إلى محاسبة النهضة دون سواها إلّا تنويعة متذاكية من تنويعات الاستئصال النوفمبريّ.. هؤلاء ينتقمون من الثورة في النهضة لأنّ النهضة هي الهيكل الحزبيّ الثابت الذي يصلح قاعدة لتنافس انتخابيّ يغذّي شجرة الديمقراطيّة الواعدة في بلد عانى من الانفراد بالسلطة طويلا.

كلّ ما في الأمر أنّ أبناء المنظومة القديمة التي قامت عليها الثورة يعملون على الانتقام من منتجات انتخابية لثورة شعبية كانوا هم المتضرّرين منها ومن ديمقراطيّة لا حظّ لهم فيها.

يضاف إليهم بعضُ المستفيدين من مناخ الحريات من أولئك الذين لم يبذلوا جهدا في إقناع الشعب بأطروحاتهم. هؤلاء يرون في النهضة خصما لا يقدرون على منازلته في معارك الاقتراع، فهم يبحثون عن حيلة أخرى تخرج النهضة من الواجهة ليجدوا لهم في المشهد مكانا. وقد ظنوا أنّ في الانقلاب خلاصَهم. غير أنّ الانقلاب لا يعترف بهؤلاء جميعا، لأنّه يرفض كل اختلاف ولا يعترف بالصراع. ولا يثق من الذين يخالفونه بأحد.. الانقلابات لا تعترف بغير القطعان حين تصرخ بحياة الزعيم، والزعيم لا يقرأ للقطعان حسابا.

10. نفهم أن توضع قيادات حركة النهضة في السجون بلا سبب ترضيةً للوطد والمقرّبين منه. ولكن لا معنى لاسطوانة محاسبة حركة النهضة كما لو أنّها حكمت العشرية وحدها واستولت على كلّ الذي فيها. لقد وضعت سلطات 25 جويلية قياداتها في السجون ولكنّها لم تجد لهم تُهما تتعلّق بإساءة الحكم أو بالفساد. أغلب قيادات النهضة السجينة متروكة للنسيان في ظلّ نظام يدّعي أنّ قضاءه ناجز لا يتأخّر في مقاضاة الناس صونا لحقوقهم، وأنّه لا يظلم من الناس أحدا.

11. النهضة ليست طائفة منصورة من عند السماء. هي حزب سياسيّ أراد المشاركة في الحياة السياسيّة لمّا ظنّ أنّه قد صار للسياسة معنى. بذلت قياداته وسعها.. أصابت حينا وأخطأت في بعض الأحيان. كان يمكن أن نتفهّم نقدها لو أنّه تمّ في مناخ سياسي سليم خال من التعادي والبغضاء بين فرقاء مثلهم مثل العوام تجمعهم الصيحة وتفرّقهم العصا. لمّا أساؤوا جميعا إدارة المرحلة لقوا المصير نفسه وإن تأجّل تنفيذ التنكيل ببعضهم. بدء التنكيل بقيادات النهضة كان مجرّد مرحلة لتنويم خصومها. نصيب هؤلاء من التنكيل محفوظ غير أنّ حصّتهم تأتي بعد الفراغ منها، كما فعل بن علي بالضبط. الاستبداد يسلك طريقا واحدا من قديم الزمان ولا جديد له يأتي به. العيب في أنصار التجديد الذين لا يصونون الجديد.

النهضة لم تحكم ولم تأت قياداتها جرائم تستحقّ عليها ما نراها تتعرّض له من تنكيل. كلّ ما في الأمر أنّ انتقاما يرتفع منسوبُه في لحظة شعبويّة لا تعدو تنويعةً نوفمبرية ترى في المستفيدين من ثورة الشعب التونسيّ أعداء وجب استئصالُهم.

12. من الذي وجبت محاسبته إذن؟

• أخطأ الدكتور عياض بن عاشور لمّا استغلّ الفراغ السياسي الذي كانت تعيشه البلاد، فصاغ، في هيأته، قانونا انتخابيّا لم يكن له في هندسته من هدف غير محاصرة النهضة في المجلس النيابي. كان قانون أكبر البقايا هو السلّم الذي صعده كثيرون من النكرات ليعبثوا من مجالسهم بالسياسة وأهلها.. ويُخرجوا الديمقراطية في شكل مقزّز ويهدموا، بذلك، البيت فوق الجميع.

الدكتور عياض بن عاشور، الذي صنع قانونا انتخابيا كان هدفه منه تقليص حضور النهضة في المشهد السياسي بسبب موقفه الإيديولوجيّ من الإسلام السياسيّ، ربما كان يريد الحيلولة دون تغوّل النهضة، غير أنّه ساهم، من حيث يدري أو لا يدري، في صناعة العبث الذي جعل الناس يكرهون السياسة ويلعنون الثورة ويستهينون بالحرية.

• أخطأ الاتحاد العام التونسي للشغل لمّا ترك مهمّة العمل النقابي ليستوليَ على السياسة يدبّر أمرها بقيادات أمّية تنتح خطابا حربيّا يجعل للجهل على المعرفة سبيلا ويحكّم البذاءة في المشهد كلّه. يكفيك أن تتابع خطابات قيادات الاتحاد العام التونسيّ للشغل، طوال العشريّة، لتعلم كيف كانت الغرائز تلوي أعناق العقول. لم يكن ما فعله الاتحاد بالثورة والبلاد خطأ بل كان جريمة مكتملة الأركان. جرائم الاتحاد الماليّة تهون أمام الذي ارتكبته قياداته من جرائم في حقّ السياسة. ولو كانت النخب السياسية تملك أمرها لما حكّمت قيادات الاتحاد الجاهلة في رقاب الوطن فتنتهي به إلى كلّ هذا الخراب.

• وأخطأ الإعلام الذي حرّرته الثورة من تبعيته للسلطة قبلها فعبث بها ونصب موائده لسلخ السياسة والتنكيل بالسياسيين والسخرية من رجال الوطن ونسائه. الإعلام في تونس كان شريكا أصيلا في الفشل. لقد اختار الإعلاميون أن يكونوا لعنة على البلاد لا ينيرون لها طريقا بل يستدرجونها إلى النفق. الإعلام في تونس أنتج ما يفيد باستحالة الديمقراطية في المجال العربيّ. لقد كان الإعلاميون خدما لباعثي القنوات الإعلاميّة وكان هؤلاء الباعثون أعداء للثورة والوطن والإنسان. وكان الإعلاميون هم الأدوات.

• وكانت سيّدة الجرائم تلك التي أتاها الذي دُعي ليكون حكَمًا بين الفرقاء موحّدا للتونسيين، وبعد أن تعاقد مع الشعب على أمور بعينها، مزّق العقد وجعل من المشترَك عصا وتحوّل من حكَم إلى جلّاد.

ما الذي في وسعك أن تصنع مع شخص بِعْتَهُ شيئا بعقدٍ على أن يعطيَك ثمنه لاحقا، فافتكّ مالك اشترى به سيفًا وداس على العقد أمامك ؟

13. النهضة، هل أخطأت؟

نعم، أخطأت.. من أوّل يومها إلى آخره غرقت في الأخطاء.

- أخطأت النهضة لمّا ظنّت قياداتُها أنّ الدولة الوطنيّة خيار حتميّ اختارت أن تنخرط فيه، وتنازلت لأجل ذلك عن مبادئها في مستوى أول.

- أخطأت حين ظنّت أنّ الدولة سفينة جامعة يمكن أن تعدّ لها، بالانتخابات، مكانا مثلها مثل الذين سبقوها بالحكم.

- وأخطأت حين ظنّت أن الدستور وحده كاف لصناعة السياسة وإدارة الصراع.

- وأخطأت حين ألزمت نفسها بالقانون مخافة مخالفته، أحصت على أنصارها أنفاسهم وأطلقت يد خصومها يعبثون بالقانون وبها.

- وأخطأت حين ظنّت أن الديمقراطية، في المجال العربي، ممكنة ونامت عن مؤامرات ضدّها لم يكن المتآرون يخفونها.

- وأخطأت حين ظنت أنّ خصومها يمكن أن يغفروا لها شعبية ليست لهم، وهم الذين ظنّوا أنّ عهد بورقيبة وبن علي كانا كافيين ليقضيا عليها ويمنعا الناس من انتخابها وهي المحاصرة في كلّ ركن المطرودة من كلّ زاوية كما لو أنّها جرب تُخشى إصابتُهُ.

أخطأت النهضة وأخطأ غيرها.. ولكنّها تحمل وحدها عبء جعل الديمقراطية، في بلاد العرب، ممكنة.

بسبب ذلك تعاقَبُ.

من الذي يعاقبها؟