تحصل حزب العدالة و التنمية على 125 مقعدا مما يجعل الملك دستوريا يدعوه لتشكيل الحكومة و تبدو الأوضاع متجهة إذا لم تحصل مفاجآت أو ضغوط إلى استعادة التحالف الحكومي الأول عقب الانتخابات الماضية حيث سينظم للإئتلاف الحكومي حزب الاستقلال بـ 46 مقعدا و الحركة الشعبية بـ 21 مقعدا وحزب التقدم و الاشتراكية بـ 12 مقعدا.
و رغم أن السياسة لا تستبعد المفاجآت إلا أن هذا هو المرجح دون أن يلغى من الحساب إمكانية إفراز أغلبية أخرى برئاسة العدالة و التنمية أو إئتلاف حكومي برئاسة العدالة و التنمية و مشاركة حزب الأصالة و المعاصرة، إلا أن ذلك بعيد الاحتمال لتصريح قادة العدالة و التنمية المتكرر بأنهم لا يتحالفون مع حزب شبح و تديره قوى خفية لتحقيق مصالح ضيقة على حساب الشعب المغربي ، كما أن قادة الأصالة والمعاصرة أيضا صرحوا بعدم استعدادهم للتحالف مع العدالة و التنمية .
أما احتمال تشكيل حكومة بغير العدالة و التنمية فهو غير ممكن دستوريا ذلك أن الدستور يلزم الملك بدعوة الحزب الفائز لتشكيل الحكومة. و إذا كان الدستور سكت عن حالة فشل الحزب الأغلبي بتشكيل الحكومة فإنه لم يعط الملك حق اختيار غيره و هو ما يفتح الاحتمال لإعادة الانتخابات أصلا .
هل سيدعو الملك بن كيران لتشكيل الحكومة ؟ هذا هو العرف و الأصل و الواقع حيث أن هذا الفوز برغم أنه حصيلة أداء الحزب حزبيا و حكوميا إلا أنه لا يمكن إنكار دور بن كيران الكبير و البارز في ذلك ، كما ان الدولة تحتاج قرارات اقتصادية صعبة و عجز عنها من تداولوا على الحكومة منذ عقود ووحده بن كيران هو من تجرأ على ذلك و من هو قادر مستقبلا على المضي في ذلك ،بل الطريف هو أنه جعل ذلك من جملة عناوين حملته الانتخابية رغم ما في تلك القرارات من تأثير سلبي على المواطنين في بدايتها كإصلاح نظام التقاعد و غيرها.
سيحاول البعض كما فعلوا حتى الأن تخويف المخزن و الملك من هذا " البيلدوزر " الذي جرف النخبة بأطيافها و استولى على قلوب قطاع عريض و متنوع من الشعب و أوتي شجاعة نادرة في مواجهة المخزن بأسلوب طريف و جريئ .و لكن مع ذلك لا أعتقد أن المؤسسة المخزنية و المؤسسة الملكية ذات التقليد العريق ستستسلم لذلك بل إنها ستقدر مصلحتها و مصلحة البلاد بشكل محترف و لها في ذلك خبرة عريقة.
مفارقة الانتخابات المغربية : صراع العدالة و التنمية و " التحكم":
أظهرت الانتخابات عجزا لحزب الأصالة و المعاصرة برغم المساندة البارزة التي تلقاها من وزارة الداخلية و أعوانها بشكل مباشر و مفضوح عن مناطحة حزب العدالة و التنمية . كما أبرزت هزيمة ثقيلة لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية دو الماضي العريق و الحاضر البائس . كما بينت هامشية اليسار بأطيافه المعتدلة و الراديكالية عدا حزب التقدم و الاشتراكية ( الحزب الشيوعي سابقا ) الذي شق طريقا مختلفا و قدم نموذجا للتعاون و التوافق بينه و بين حزب العدالة و التنمية يعد نموذجا في اختراق التكلس الذي أصاب النخب " الحداثية " في الساحة العربية.
ويمكن القول أن الانتخابات كانت " صراعا " بين حزب العدالة و التنمية ووزارة الداخلية و ليس بينه و بين أحزاب منافسة .... الوقائع الصارخة من التدخل المباشر و المفضوح لرجال وزارة الداخلية من العمال والمقدمين و غيرهم منذ بداية الحملة الانتخابية و خاصة يوم أمس تؤكد ذلك بوضوح و جلاء .... لم ينافس العدالة و التنمية حزبا و انما افتك بجهاد مرير و صبر كبير و حضور يقظ فوزا مستحقا من مخالب وزارة الداخلية التي لم تجد حيلة معه فالتفتت لأكل الأحزاب الأخرى و هكذا كان فوز الأصالة و المعاصرة على حساب الأحزاب الأخرى أكثر منه على حساب العدالة و التنمية .
تاريخ أول نشر 2016/10/8