ضجت صفحات النهضويين وأنصارهم ابتهاجا بحكم المحكمة، لا بل إن الحزب ذاته أصدر بيانا في الغرض. أنا نفسي ساندت تدوينات البعض وشاركت بيان الحزب.
هناك وجه مفهوم متعلق بالمعركة الإعلامية التي دارت رحاها منذ حادث الاغتيال ولا زالت، وما فرضته من أجندات قضائية وسياسية، وما حفرته عميقا في نفسية المتصارعين.
هذا تفسير لما حدث .... لكن هل يمكن أن يبرر ذلك هذه الضجة؟
الحقيقة يصعب ذلك، من جهة أن الحكم ليس في طوره النهائئ، وانه صادر عن قضاء تابع تحول الى وظيفة في يد الانقلاب، وهو القضاء الذي زج ويزج بقيادات الحركة واعضائها وغيرهم من أغلب الاطياف بملفات تفتقد الحد الادنى من القيمة القانونية، ملفات فارغة على حد تعبير أغلب المحامين، بل ملفات لم تخلو من التلاعب والتدليس، وأحكام جائرة بدون سند قانوني سليم، فضلا عن إجراءات الاستنطاق والإيقاف التي مورس فيه كل أشكال التعذيب - عدا التعذيب المباشر بالضرب والصعق والاغتصاب لانتزاع الاعترفات من المستنطقين والموقوفين .
بل إن ملف القضية الذي جاب كل درجات التحقيق وأودع كتابة هيئة المحكمة، لا يحتوي على أي اتهام مباشر أو غير مباشر للأي فرد من النهضة قيادة وقاعدة ولا للحزب كحزب.
من هذه الزاوية تبدو الضجة في غير محلها.
كما أن الحكم وإن لم يدن النهضة، إلا انه لم يكشف عمن خطط ودفع بالمنفذين للقيام بجرمهم، وهذا من المفروض أن لا يفرح النهضة، ذلك أن الكشف عمن وراء الاغتيال هو الذي سيريحها وسيريح البلد، وسيلجم الفئة التي تتاجر بدم بلعيد. لا بل إنه هو الوحيد الذي سيمكن البلد ليس فقط من ملاحقة من وراء العملية، بل وملاحقة المتاجرين بها، والضرب على أياديهم الملطخة بدم بلعيد، والتي تزرع الأحقاد في جسد الوطن المثخن أصلا.
من هذه الزاوية لا زالت قضية بلعيد لغزا غير مكشوف، وربما سيستمر إلى أن يتحرر الوطن من مغتصبيه، الذي أجهضوا أحلامه باستعماره أولا، وحين "أهدوه" استقلالا مسموما ثانيا، وحين تآمروا على ثورته ثالثا. وكل ذلك بأيادي عملائه من أبناء جلدتنا الذين يقيمون بين ظهرانينا.
قضية شكري بلعيد وقضية محمد البراهمي لن يحلها قضاء وظيفي، ولا حكم شعبوي، ولا سيستام صنيعة المستعمر ... يقتل القتيل ويمشي في جنازته ... ويصرخ "شكري حي.. شكري حي ..."