search

دون مقام السموأل

ونحن نجترّ حصى الكراهية فوق هذه الأحراش، غزّة، عن كثب، تصل نزفها بنزيفها، دمار ودماء ومرض وجوع، وموت بكلّ سبب. كأنّ أسباب الموت تداعت إلى اجتماع في تلك القرية المقهورة التي اسمها غزّة.. وكأنّها ضاقت بأهل الأرض قاطبة وأوت إلى أبناء غزّة تنزفهم وتزفّهم.

ونحن نأكل ونشرب ونتناكح ونثرثر ونفرح ونمرح ونقهقه.. ويعذّب جلّادُنا ضحيّته كأنّنا لسنا هنا. ولو وقعنا في يد المحتل، مثل أهل غزّة، لساوى بين الجلّاد وضحيته في تعذيبه.

وحدهم أحفاد السموأل.. هناك في أرض اليمن يشاركون المعذَّبين في كلّ شيء ينصرون ولا يتعبون من نصرهم.

أمّا نحن، أمّة الغثاء، فقد صرنا إلى حال من الرجعيّة في الإنسانية فاضخة.

تقدم علينا السموأل بن عادياء وصرنا وراءه.

وقد قالت العرب قديما في أمثالها:

(أوفى من السموأل)

وتنافست في التفاضل.

وسقطنا نحن، بين السواقط. نتفاضل في التساقط.

تقول الحكاية إنّ امرأ القيس صاحب (قِفا نَبْكِ) اسْتَودع السموألَ دروعاً، كانت ملوك كندة يتوارثونها ملكاً عن ملك، فطلبها ملك الحِيرة الحارثُ بن أبي شَمِر الغَسّانيّ وألحَّ في تَطْلابِها، فلمَّا حُجِبَت عنه سار إلى السموأل (وقيل: بل وجّه إليه الحارث بن ظالم)، فلمَّا دَهَم الجيشُ السموأل أغلق الحِصنَ دون من دَهَمَه، فأُخِذ له ابنٌ كان خارج الحصن في مُتَصَيَّدٍ له، فخَيّر الحارث السموألَ بين دَفْعِ الدروع التي في حِرْزه وقَتْل ابنه، فاختار السَّموأل الوفاءَ بالذِّمّة. و أعطاها ورثة امرئ القيس،

فقال السموأل:

وفيت بأدرع الكندي أنّي *** إذا ما خان أقـوام وفيـتُ

وفي ذلك يقول الأعشى، مخاطباً بعضَ بَنِي السموأل:

كُنْ كالسَّمَوْألِ إِذْ طافَ الهُمامُ بِهِ *** حِصْنا حَصِينا وجارا غَيرَ غَدَّارِ

إذ سامَهُ خُطَّتَي خَسْفٍ فقالَ لهُ *** قُلْ ما تَشاءُ فإنِّي سامعٌ حارِ

فقالَ ثُكْلٌ وغَدْرٌ أنتَ بَينَهُما *** فاخْتَرْ وما فِيهِما حَظٌّ لِمُخْتارِ

فشَكَّ غيرَ طَويلٍ ثمَّ قالَ لهُ *** اقتُل أسِيرَكَ إني مانعٌ جارِي

#ملاحظة: تصرّفتُ في الأبيات الأولى، وجمعت بين صدر بيت وعجز آخر.

تاريخ أول نشر 2025/5/6