تركت سالم لبيض ناطقا رسميا باسم الطلبة القوميين، وعدت لأجده أستاذا جامعيا يحضى باحترام كبير عند بعض قياديي حركة النهضة، وبعض زملائي القدامى أيام الجامعة. بل إن النهضة رشحته أو ساندت تكليفه وزيرا للتربية!
تابعت بعض كتاباته، وبعض مواقفه السياسية، فلم ألحظ تغييرا ذا بال في مواقفه المعهودة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بما له صلة ما بالتدافع التاريخي القومي الإسلامي (راجع مواقفه من الثورة الليبية والسورية والانقلاب في مصر ).
"الطريف" في مقاله الأخير (المنشور في العربي الجديد بتاريخ 25\4\2018 )، هو أنه مصاغ بنفس عقلية التهويل والتشكيك والتفزيع والتحريض والوشاية التي تصاغ بها مقالات بقية خصوم الإسلاميين التقليديين الاستئصاليين، الذين لا يحبون أن يروا الإسلاميين في أفضل حالاتهم إلا ضحايا "يناكفون" الحاكم باستعمال قضيتهم من أجل توسيع منابهم من محصول السلطة .
للأسف فالنفس الوثوقي في صياغة النص لا يعين على تلمس الأعذار أو ما يشير الى رغبة في النصح والتنبيه .
لكن نص سي سالم مفيد من حيث الكشف عن حالة الفزع والروح الاستئصالية التي تنتاب النخب التونسية .
فرغم أنهم يعلمون أن القانون الانتخابي لن يمكن النهضة من الفوز بأغلبية تسمح لها بتسيير أي بلدية تقريبا، إلا أن مجرد مشاركتها التسيير يعتبر في نظرهم خطرا ماحقا.
ومع أن ترشح النهضة في كل الدوائر لم يأتِ بسبب رغبتها في السيطرة على البلديات في ما أقدر، وإنما بسبب القانون الانتخابي الذي يصعب معه تقدير حجم النتائج مسبقا. وهو كباحث اجتماعي يمكن أن يفهم قرار النهضة بسهولة. إلا أن حالة الفزع حجبت عنه كل محاولات النهضة في إدارة العملية الانتخابية، بشكل يثبت لها وجودا فاعلا دون اكتساح. ولا زالت المحاولات مستمرة وأتوقع أنها ستستمر حتى تشكيل المجالس.
نص مؤسف غاب فيه كل ما يجب أن يكون من دعم تجربة الحكم المحلي، والإصرار على نجاح التجربة الديمقراطية، وإبعاد شبح الاستئصال والاستبداد .
تجربة النهضة ليست فوق النقد، بل فيها قضايا جوهرية قد تمس من استحقاقات الثورة، ويمكن أن يدار حوار عميق حولها، بخلفية الانتصار لمطالب الثورة ومكاسبها، لابخلفية التفزيع والشحن وتعميق الأخاديد الفاصلة بين الفرقاء التي تصب في منطق الاستئصال الذي تتزعمه تلك النابتة مما يسمى تجاوزا نخب.
تاريخ أول نشر 25\4\2018