من بركات ليلة الاعتصام أن جمعتني بسعيد بوعجلة بعد حوالي 40 عاما ... ومن لا يعرف سعيدا من الطلبة الاسلاميين، وخاصة طلبة المركب الحامعي، بل وعموم الطلبة هناك.
لم يواصل سعيد انتظامه في الاتجاه الاسلامي ... كانت همومه الفكرية عميقة وواسعة وطموحه الثوري لا تحتمله التنظيمات التي لها أنظمتها وإكراهاتها. وفتحت عليه الثورة الايرانية بابا واسعا للإمتلاء الذي يستجيب لفورة عقله النظرية والعملية، فانخرط في أجوائها بل إنه ذهب لإيران للتعرف عن قرب عنها، وعاد للجامعة يقود اتجاها طلابيا هو امتداد لخط الأمام في إيران ... لكن قوة الاتجاه الاسلامي وجمعه بين جذرية النظال الوطني والتفاعل الايجابي في المشترك مع الثورة الايرانية، ضيق على خطه أن يكون له الامتداد المطلوب فبقي مقتصرا عليه، وربما على عدد ضئيل من الأتباع ... لكنه لم ينقص من قيمة سعيد بوعجلة كطاقة فكرية فوارة تجادل وتناظر عن أفكارها مع اليسار الماركسي ومع الاسلاميين. ومن أطرف ما نقله لي الأخ والصديق نجيب مراد الذي كان زميله في الكلية، ان سعيدا كان يأتي من السفارة الروسية بقفتين ( هكذا وليس حقيبتبن) من كتب دار التقدم، ثم يختفي أسبوعا أو أكثر يقضيه في قراءة تلك الكتب، ليظهر في حلقات النقاش التي كانت تمتد الساعات الطوال يقارع الماركسيين متكلما شرسا يحاجج بالنقطة والفاصلة وبالفقرة والصفحة.
ليلة الاعتصام، وكالعادة دخلنا في نقاش يجمع بين استذكار الماضي ومتابعة الواقع الراهن. ومما استخلصته من نقاشه وكان حول حركة النهضة، انه قال، بقطع النظر عن جوانب كثيرة يمكن تناولها في نقد حركة النهضة ( الاتجاه الاسلامي)، إلا أن الحقيقة أنها خاضت وتخوض ثلاث معارك كبرى مشرفة يمكن ترميزها كما يلي : معركة الهوية مع بورقيبة، ومعركة الحريات مع بن علي، ومعركة الديمقراطية مع الإنقلاب ... استخلاص لا يمكن ان يتجاهله باحث وناقد منصف لحركة النهضة .... في كل تلك العناوين الثلاث، يمكن لك أن تنقد الكثير في تجربة النهضة، لكنك لا يمكن ان تنكر عليها انها كانت ولا زالت تقود معركة الحرية والتحرر والكرامة، وإن أصابتها تلك المعركة بندوب وخدوش وحتى جروح غائرة.
أخيرا تحية لسعيد بوعجلة الذي أثبت انه دائما على خط المرابطة والالتزام لروحه الثائرة وعقله النابض وأحلامه التي لم يدفنها حتى وهو في الستينات من عمره.