search

سيد ... أيها السيد

قرأت تدوينة لكوثر الفرجاني، كريمة صديقي بل أخي سيد الفرجاني، فأثارت في صدري حرقة ... آلمني جدا ألمها ... لأن ألمها ألم مضاعف لألمي لما يتعرض له الرجال ومنهم أخي سيد.

كتبت عن بعض القادة المختطفين في سجون الانقلاب، وتأخرت في الكتابة عن سيد وعن آخرين غيره من الرجال الكرام البررة، ممن استبد بهم الانقلاب، ورماهم وراء القضبان ظلما وبهتانا، ليس نسيانا ولا تجاهلا وإنما ترتيبا قدرته راعيت فيه من يعاني أكثر من غيره ...

وكنت أتابع ما يقوم به أبناء أخي سيد من دفاع عن والدهم وخاصة كريمته كوثر التي أحييها على جرأتها وشجاعتها ودفاعها المستميت عن والدها.

عندما أكتب ... أكتب دفاعا ... وأكتب شهادة ... عن أبطال، ورسل خير، وطيور حرية، وحمائم سلام ... أكتب عن رجال ملأ الحب قلوبهم، وفاض على من حولهم ... لا يحبون رياء ولا منا، وإنما يحبون عقيدة وولاء ... أحبوا أمتهم وبلدهم، وحلموا بكل شيئ جميل لهما ... ومنذ شقوا طريق دعوتهم نذروا أنفسهم لذلك ... لم يحلموا بأن يكونوا حكاما ينهبون ريع دولتهم، ولا رؤوسا يفرضون إرادتهم على غيرهم ... كلما حلموا به أن يكونوا فداء لعقيدتهم، وأن يكونوا شهداء تروي دماؤهم أرض وطنهم ...

وسيد كان من أولائك الذين كانوا مصداقا لكل ما ذكرت أعلاه ... لم يتوان أن يضع روحه على كفه يوم أن قرر عجوز خرف أن يحول تونس لحمام دم ... وقال هو ومن معه من إخوانه إن كان لا بد من دم فليكن دمنا نحن ... ولأن الدم مقدس وحرمته أقدس من كعبة الله، ولأن إنقاذ الوطن هو غايتهم الكبرى، فقد قبلوا أن يتوقفوا عما خططوا له عندما سبقهم لذلك غيرهم، وعندما تحقق هدفهم ألا وهو إزاحة عجوز خرف، أداه خرفه إلى أن يتلاعب بمصير بلد، واستغل خرفه أعداء للوطن والعقيدة في الداخل والخارج ... هم يعرفون مصيرهم وأن نسبة نجاتهم تكاد لا تذكر، ولكنهم قبلوا مواجهة مصير مظلم حتى لا يواجه بلدهم ذلك المصير ...

ذلك هو سيد وأولائك هم صحبه ... لا أتحدث الآن عن صوابية ما قرروه ابتداء وانتهاء ... ليس هذا مجاله ... في كل الحالات كان ذلك اجتهادهم، ولم يكونوا فيه باحثين عن سلطة، ولا أدوات لتحقيق مؤامرات غيرهم ... فكروا فقط في إنقاذ بلدهم ... وعوض أن تعلق لهم أوسمة الشرف والاعتراف بالفضل ينكل بهم.

خرج سيد من السجن معاقا، بعد تعذيب وحشي أودى بأول شهيد تحت التعذيب في عهد التحول وخلال أقل من شهر من 7 نوفمبر: الرائد المنصوري ... كانت رسالة مضمونة الوصول من 7 نوفمبر ... لكنها ظرفها للاسف لم يفتح إلا بعد فوات الأوان.

اضطر سيد للخروج للتداوي، ولم يمهل النظام الجميع فعادت دولة البوليس أشرس مما كانت عليه.

عرفت سيد عن قرب، قد تختلف معه حد التناقض في أفكاره، ولكنه أبدا لا يوغر صدره تجاهك، ولا تستطيع أنت أن تحمل في صدرك ضغينة عليه ... لا يمكن إلا أن تحبه ... سيد صدر رحب يسع الجميع ... علاقاته ليس لها حد ... وصداقاته ليس لها ساحل ...

أشهد الله أنني أحبه فيه ... وأشهد الله أنه وأمثاله لا يليق بتونس أن تضمهم سجونها ... وأشهد الله أنه أكبر من حقدهم وظلمهم ... وأن ما في قلبه من الحب يجرف كل كيدهم ...

أعلم علم اليقين أن صبره لا ينفد ويقينه في الله لا يتزعزع ... وإيمانه بانتصار الحق على الباطل جزء من عقيدته التي نشأ عليها منذ سلك طريقه وهو شاب يافع في ربوع القيروان ... القيروان ... صرة الاسلام في تونس التي تنبؤك كل زاوية من زواياها بتاريخ مجيد لا تتقادم روحه وإن اختفت رسومه ...

حياك الله أخي سيد ... ثبتك الله أخي سيد ... نحن في انتظارك ... ليوم قريب ... يوما ينتصر فيه الحق ويزهق فيه الباطل ... "إن الباطل كان زهوقا".