من يشاهد القمع الوحشي الذي طال طلاب جامعة كولومبيا وجامعات أمريكية أخرى بالأمس، سيشعر بالخجل من نفسه إن كان له ضمير حي في أقل الأحوال.
قمع خلنا أننا وحدنا من يمكن أن يتعرض له، فإذا هو في جامعات البلد الذي يسوق لنا أنه هو أب الديمقراطية.
ولكن الأهم هو الصورة المذهلة للطلبة من كل الأعراق والأديان والمذاهب والطبقات الاجتماعية بما فيهم أبناء الطبقات المخملية ونخبة النخبة، الذين التقوا على قلب رجل واحد للدفاع عن فلسطين المغتصبة وحقها الشرعي في التحرير، ومواجهة مباشرة وبدون قفازات للصهيونية في عقر دارها الأمريكية ومع كيانها المزروع في كبد العالم العربي والاسلامي.
قمة في الوعي وقمة في الاستعداد للتصدي والمواجهة ودفع الأثمان، قمعا وتنكيلا ومحاكمة وطردا من الجامعة، ومواجهة الآلة الإعلامية الصهيونية بكل كذبها وخداعها. ولا يجد الطلاب من مساند غير أساتذتهم، في التحام أسطوري يرسل رسائل بليغة للعلاقة بين مكوني الجامعة الأساسيين، الأستاذ والطالب، مرسل الفكرة والرؤية ومستقبلها. لا وجود لذلك الانفصام النكد الذي نجده في جامعاتنا بين الطالب والأستاذ بصفة عامة.
القراءة التاريخية للحدث تقول، أن ما يحصل لن ينتهي بالقمع، بل سيزيده القمع تجذرا. ولن ينتهي خلف أسوار الجامعة، بل سينتشر خارجها. ولن ينتهي في أمريكا، بل ستتسع رقعته لما وراءها وقد اتسع. وسيتجاوز القراءة الآنية له إلى التعمق في دلالاته، وسيكون محفزا لبناء منظومات فكرية، وتحليلات علمية متقاطعة، وولادة مجال لغوي ومصطلحي تداولي جديد، وبلغة أكثر تكثيفا سيولد "لوجسيال" جديد لمرحلة قادمة تحريرية وتحررية مبشرة بموت محقق لعالم من الظلم والقهر والاستعباد. لا شك ان الأمر لم ينطلق من انتفاضة الجامعات الأمريكية بل الحدث الذي حفزها وأشعل شرارتها ، إنه 7 أكتوبر ... انها انتفاضة الأقصى .... طوفان الأقصى وارتداداته ذلك الحدث الذي فجر الصمت العالمي وأرجع القضية الفلسطينية لموقع الصدارة، ومن خلفها كل قضايا التحرر والتحرير في العالم.
ونحن القابعون خلف أسوار المهانة والذل والاستسلام، الذين لم تحرك فينا السابع من أكتوبر ما يجب أن يتحرك في كل عقل حر وروح أبية من النصرة الواجبة والتحرر من الأغلال التي تصفد أيدينا وعقولنا وقلوبنا، ها نحن نصفع من جديد من وراء المحيطات بانتفاضة وتمرد طلاب أمريكا. إنها ليست انتفاضة التيكتوك و"الروز بالفاكية"، بل انتفاضة من يقدم جسده ومستقبله الدراسي دفاعا وفداء للحق والعدل والحرية ... لفلسطين الحرة المستقلة ... فهل ستوقظنا انتفاضة طلاب أمريكا أم سيستمر خنوعنا وتقاعسنا والتبرير لعجزنا بإلقاء اللوم على غيرنا؟
طلاب أمريكا يذكروننا أنه لا حرية تنال بدون دفع ثمن، ولا ظلم يزول بدون مظلوم يصارع ويتحدى ويقاوم لينتصر ... هؤلاء الذين ولدت الديمقراطية وتقاليدها عندهم، يقولون لنا لا تصدقوا خزعبلاتنا ... الحرية لا تأتي بالديمقراطية وإنما الديمقراطية تأتي بها الحرية ...
وللحرية الحمراء باب ... بكل يد مضرجة يدق
تاريخ أول نشر 1\5\2024