search

عام من عمر الطوفان ... لم يقض الأمر بعد...

لست أدري ما هي ملابسات تسمية ما أقدمت عليه حماس يوم السابع من أكتوبر 2023 بالطوفان. كيف اختير هذا الاسم ولماذا تم اختياره ... قد لا يكون الأمر استغرق تفكيرا كبيرا ... واستعمل اللفظ على ظاهره للدلالة على نوعية الاجتياح الذي لم يسبق من قبل، وقد يكون وراءه مغزى عميقا اختاره أصحابه، بناء على وعيهم التام بأثر ما خططوا له منذ زمن ليس باليسير، وما أعدوه وما قرروا تنفيذه مما لم يحدث مثيله طيلة صراع الفلسطين مع العدو الغاصب.

كانت الصدمة التي تلقاها الكيان الغاصب وتردد صداها في كل الكرة الأرضية بحجم حدث كوني كبير ، وظني أنهم كانوا يقدرون أن تلك الصدمة، بقدر ما ستفزع رعاة الكيان، فستستنفر العرب والمسلمين وأحرار العالم، وستفرض على الدول العربية والاسلامية والدول البعيدة نوعا ما عن هيمنة الكيان ورعاته، الاصطفاف وراء أصحاب القضية، أو على الأقل أن تمنع الأذى عنهم، أو تهب من أجل تمكينهم من الحد الضروري من حقوقهم.

لكن المفاجأة كانت من جانب رد الفعل العربي والاسلامي شعوبا ودولا ... فبقدر ما أيقظت الصدمة الضمائر الحية في مواطني الغرب وخاصة شبابه وبعض الشعوب والدول التي اكتوت بنار العنصرية والابادة والحروب والتطاحن، بقدر ما كانت ردة الفعل لدى إخوة الدين والأرض والعرض، شبيهة بردة فعل السكران أو الذي يعاني الدوار ، لا يكاد يفتح عينية، ولا يكاد يقف على رجليه، ولا يكاد ينطق بشفتيه!

ويبدو أن حماس قد أدركت بعد مدة ليست طويلة، أنها أمام معركة إبادة حقيقية، وأن اسم الطوفان لم يكن مجرد مجاز لغوي وإنما هو حقيقة ماثلة. ويبدو أن نفس الشعور قد انتاب الغزاويين، و أدركوا أنهم أمام حرب إبادة حقيقية، ولم يوضع أمامهم من خيار غير طريق التهجير وترك غزة أو الموت المحقق على أرضها.

استعصم الطرفان ببعضهما ... الشعب والمقاومة ... وقالوا: "لن نبرح" ... فإما حياة وإما فلا ...

ولولا صمود شعب غزة ما استطاعت المقاومة الصمود، ولولا بلاء المقاومة ما اشتدت عزائم الغزاويين في الصمود، لا يزيدهم الدمار إلا إصرارا، ولا الموت إلا استعصاما وقرارا وتحديا ... يدفنون قتلاهم، ويواسون ثكلاهم، ويشدون من عزيمة شبابهم، وموثوقون كالأوتاد الراسخة في أحيائهم ومخيماتهم ... حالة أسطورية من الصبر والثبات والعزيمة والفداء والعزة والكرامة والنخوة والرجولة والسخرية من الحياة والأحياء ...

عندما التقينا الشهيد إسماعيل هنية بعد ثلاثة أشهر من الطوفان، وجدناه واثقا هو وإخوانه، ومستعدون لحرب ستطول كما قال لنا. قد لا يكونون توقعوا هول ردة الفعل التي أحدثها الطوفان، ولا حجم العجز الذي ظهر عليه من رأوا أنهم سيكونون نصيرا، ولكنهم كما يبدو، قد أدركوا في وقت غير بعيد من اندلاع الطوفان، أنهم يخوضون معركة ليس مع الكيان الغاصب، ولا مع رعاته، ولكن أيضا مع العجز والوهن العربي الاسلامي، ومع حسابات الأحلاف التي توقعوا هبتها، ومع التآمر الرسمي العربي الذي كان شريكا للكيان في حرب الإبادة بالدعم المادي واللوجستي، وأيضا بالمواقف المتخاذلة والشراكة في التخطيط للإيقاع بالمقاومة وشعبها.

وها هو الطوفان يمتد وتتوسع المعركة، يغذيها جنون الكيان الغاصب واستسلام رعاته لإرادته ... وتلتحق لبنان مسرحا لعملياته والنار لا تتوقف عن التمدد ... ويبدو أن اشتعال النار في الهشيم سيأخذ المنطقة برمتها ولا راد لألسنة لهبها المستعر ...

وهكذا قضينا عاما من أعوام الطوفان التي لا نعلم كم سيستغرق، كما لا نعلم إلى أين سيمتد ... لكن ما نعلمه باستقراء التاريخ أن التحولات الجذرية في خرائط الأنفس والأرض تمر حتما بوقائع من حجم الطوفان ...

كان قدر الله حاسما بعد محاولة نوح دعوة قومه "ألف سنة إلا خمسين عاما" ... "أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن" ... وأنه لا مناص من تطهير الأرض ... لنشأة مستأنفة ....تتجدد فيها النفس الإنسانية على الفطرة السوية من جديد .... ولتدخل مرحلة ابتلاء جديد ...

في كل الحالات، وكيفما كان حجم الطوفان وامتداده، فإن دورة جديدة تنتظر المنطقة والعالم ... وقدرنا أن نكون فيه كصاحب الفسيلة الذي عليه أن يغرسها حتى ولو كان بينه وبين الموت شهقة روح ....

تاريخ أول نشر 2024/10/7