علي العريض ... جبل أشم ... ونجم طاول الأنجم ... تقلبت الحياة به وهو فيها ثابت العزم قوي الخطو ... لا ترهبه شدتها ولا تأخذه انبساطاتها .... شب يحمل هم إسلامه وأمته ووطنه ... وأبى الشباب أن يفارقه، واستعصى شعره عن المشيب.... جعل الدنيا بين يديه ولم يسمح لها أن تلج قلبه ... كان في كل المراحل القائد الذي يجمع ولا يفرق ... كان أحد مهندسي التوافقات الداخلية ... بما أوتي من قدرة منهجية على "تحرير" الخلاف و"تكرير" (والمصطلح من اجتراحه) النصوص والأفكار والآراء بحيث تستصفى و تنتزع منها شوائبها ... كان يدرك ما تحتاجه هذه المهمات من مسؤولية، فكان عف اللسان، حريصا على تدقيق كلامه، مستحضرا عند طرح الفكرة مواطن النزاع فيها ....
إذا استلم مهمة أعطاها من جهده كل ما تستحق ... وظني أنه قد أعطى في كل مهمة استلمها سواء داخل حركته أو في الدولة كل ما تستحق من جهد. وحين يعلم أن المهمة تقتضي منه أن يتعلم، فهو يقبل بكل جد على تكوين نفسه، والتعرف على ما تحت يده من المسؤولية ... وهو يخطئ ويصيب كما كل كائن حي، لكنه لا يخطئ عن عمد، ولا يخطئ عن تفريط ... وصف من قبل بعض خصومه عندما كان وزيرا أو رئيس حكومة أنه رجل دولة ... حتى أن بعض إخوانه في حركته قد انزعجوا من ذلك ... وهذا يحسب له، وليس غريبا عنه وعن سمته .... وانقل هنا شهادة احد زملائه في الحكومة عندما كان رئيسا لها، حيث أثنى على قدرته السريعة على التأقلم مع ما تتطلبه مهمته من استعدادات وتقاليد، وعلى نجاحه في صياغة علاقات تواصل و تعامل مع زملائه ومرؤوسيه، مما ترك أثرا طيبا بينهم لا ينكره إلا جاحد.
ومع ذلك فكم كان عجب الكثيرين، ممن وجدوا علي العريض بعد خروجه من الحكم، يرجع إلى "قواعده" داخل حزبه، وكأنه لم ينسج شبكة علاقات ولم يحظ بصداقات ... ترك كل ذلك وراءه، وحافظ على هيبته وبساطته في نفس الوقت، في سمفونية غريبة أدهشت الكثيرين ....
لست أتحدث عن ملك ولا نبي ... و لكنني أتحدث عن مناضل يؤثر العمل عن الكلام ولا يعرف الكلل إليه طريقا، ويتكلم حين يجب الكلام، ويؤثر الصمت حين يرى الصمت أوجب، في حين يعجز كثيرون وأنا منهم عن ذلك ....
إنه أحد أوتاد البيت النهضوي ... إنه أحد ركائزه الوسطى ... يحمل بين جنبيه "مركبا كيميائيا" مستخلصا من تاريخه وتجاربه في العسر واليسر والمنشط والمكره، تجعله لا يفكر في غير داخلها، ولا يرى مستقبلا له ولتونس إلا بها، حزبا قد يتعثر ولكنه لا يسقط، بل لا يجب أن يسقط ... فقط عليه أن يجعل من عثراته فرصا للتجديد والتجدد ...
هكذا هو على العريض ... فك الله أسره ... وأعاده إلى الميدان الرحب مناضلا كما يحب أن يكون، مغمورا بحب الله ودينه وأمته ووطنه وحركته وإخوانه ...
تاريخ أول نشر 22\9\2023