search

فتح دمشق وعقدة الإخوان المسلمين

قارن صديق عزيز بين ما وصل إليه أحمد الشرع ورفاقه من "فتح دمشق" وبين "إخفاق" الإخوان المسلمين في الوصول إلى السلطة وتجربتهم "المريرة " طيلة قرن كامل في ما يوحي به كلامه.

فرأيت أن أدلي بدلوي في الموضوع في هذا المقال المقتضب ...

يميل الانسان بطبعه الى محاولة الاستنتاج وبناء رؤية من خلال الأحداث في لحظة وقوعها وخاصة الأحداث الكبرى ... عندما قامت الثورة تسارعنا لبناء نظريات واستنتاجات حولها بما فيها الحديث عن "ثورة على غير منوال"، ونفس الشيء حدث مع طوفان الأقصى، وها نحن امام الحدث السوري نفعل نفس الشيء.

هذه الاحداث الكبرى تشبه الحركة الزلزالية، بقدر ما تحدث من تغيير، تميل بعد ذلك إلى البحث عن التوازن، الذي يوحد موقع الحدث مع بقية مكونات اليابسة والخضوع للقوانين الكبرى الجامعة.

نعود لصلب الموضوع وهو التجربة الاخوانية .... مثل هذا النقد ليس جديدا ... في تونس وحدها طرحت الأسئلة مبكرا .... يا ليتنا نجد شريط محاضرة الاخوان المسلمين التي عرضت في مسجد سيدي يوسف أو صاحب الطابع سنة 80-81، من تقديم محمد علي التوزري، وعقب عليها الشيخ راشد بكلام لا يقل أهمية عن مضمون المحاضرة النقدية ... وقد استمر النقد للتجربة بعد ذلك، من خلال المواقف التي عبر عنها الشيخ راشد في الحرية والتعددية والديمقراطية ... بل إن ندوة المستقبل الاسلامي التي نظمها محمد الهاشمي الحامدي في الجزائر و حضرها قادة الحركة الاسلامية كانت تصب في نفس الموضوع ... كتبت منذ أيام عن مدرسة الاخوان ... لكن الاخوان مدارس وتجارب متنوعة ... خاضت كل وسائل العمل التنظيمي والسياسي والاجتماعي والجهادي ... وهناك مدارس الاخوان وهناك فكر الاخوان ... وهذا الأخير اوسع من المدارس .... قد يكون في "عجب ذنب" التجربة إعاقات ما لكن ذلك يوجد في أي تجربة ... محددات النشأة في علاقة بالمنزع الصوفي ترك اثرا، وفي التأثر بالتنظيمات السرية ترك اثرا، وبالمنزع الشمولي من خلال إسقاط شمولية الإسلام على شمولية أداة التغيير ترك اثرا ... لكن التجربة الاخوانية أثرى من ذلك بكثير ... وما فرضه الصراع الوجودي مع الصهيونية والغرب وادواتهما في "شبه الدول" التي حكمت المنطقة ألقى بظلاله ... صراعات الوجود تساهم في انكماش الكيانات، وتصبح المحافظة على الوجود هدفا في حد ذاته، برغم الرؤى التي ظهرت مبكرا تحذر من ذلك ... التجربة الاخوانية برغم منزغها التغييري والاصلاحي، فهي بنت الفضاء الابستيمي للقرن العشرين، وبنت الفضاء القيمي العام في الأمة، بقدر ما استصحبت عناصر الثبات الإيجابية فيه، بقدر ما تأثرت بعوامل الخمود والركود والنكوص فيه .... التجربة الاخوانية تمت في صراع كبير مع "الدولة الحديثة" وما أدراك ما الدولة الحديثة، و مولودها المشوه من أشباه الدول في حقبة الاستعمار غير المباشر ... هذه وغيرها من الاشكاليات تجعل التسرع في استخلاص دروس وبناء سردية سابق لاوانه ....

ملاحظة أخرى أيضا لتنسيب موضوع تكلس التجربة الاخوانية ... قد يبدو في التجربة المصرية بطء في التأقلم وعسر في التجديد ارتبط بالهجوم الاستئصالي للدولة أساسا وانكماش حركة التجديد في الموارد البشرية القيادية .. لكن المدارس الاخوانية الاخرى كان فيها من الاجتهاد وسرعة التأقلم والتجديد في الفكر والحركة ما اربك حسابات ليس فقط التجربة الأم وإنما حتى خصوم الاخوان ... ومنها المدرسة التونسية ...

نقد التجارب في لحظة الصدام ومن خلال النتائج الاولية، تعشي النظر الواسع إليه الحمولة النفسية الآنية سلبا وإيجابا .... لكن النظر الهادىء قد لا يجعل من الشرع إن استمر له الطريق سالكا إلا نسخة إخوانية في جوهرها، مهما كان حجم التجديد الذي ستقوم به على مستوى الوسائل ... لحد الآن كل ما يقدمه الشرع على مستوى الرؤية السياسية في الحرية والديمقراطية وفي العلاقة بالآخر وفي الدولة والمجتمع وفي التوافق المجتمعي ليس شيئا آخر غير رؤية المدرسة الاخوانية الوسطية، ولكن بدون قوة الجمل الغكرية والسياسية للغنوشي والترابي والقرضاوي والبشري وعمارة وووو

أما ما تفعله الدول واجهزة مخابرات العالم من تحذير الشرع من الاخوان، فهو مفهوم جدا ويحسب من وجه للاخوان لا عليهم. وكأني به يقول لهم ما قاله عمر للذين رفضوا ان يدفعوا الجزية باسم الجزية: هؤلاء مساكين رفضوا الاسم ورضوا بالمسمى ... أعلم انهم ليسو مساكين وسيستميتون في انتزاع التجربة السورية من منابتها الاسلامية الوسطية سلما أو حربا ... وليس للشرع وتجربته إلا الاحتماء بفضائه الوسطي الاسلامي بقطع النظر عن الاشكال والاسماء ومناورات السياسة ...

تاريخ أول نشر 2025/2/8