في السياسة تعد الوقائع والملابسات عنصرا فاعلا في تحديد الموقف والخيار .... وكنت قد كتبت عند إقالة بن كيران أن القدر أسعف حزب العدالة والتنمية من انتكاسة في تدبير أمره الداخلي باعتبار أنه لو شكل بن كيران الحكومة لكان ذلك الفارق في رفض تعديل المادة قد تقلص .... و مع ذلك فليس الامر صراعا حول مادة ولا حول شخص أو أشخاص ....
فهل ان الحزب الذي انقذ نفسه من التمديد قد انقذ خياره السياسي أم أنه تمخزن وتعطلت إمكانيات استئناف مسيرته الاصلاحية؟....
من الناحية التاريخية كانت النواة الصلبة لحزب العدالة والتنمية وهي المجموعة المؤسسة للجماعة الاسلامية المنشقة عن الشبيبة الاسلامية التي كان يقودها عبد الكريم مطيع قد سنت سنة التداول القيادي لمنصب الرئاسة. وقد تعود بن كيران أن يكون مرؤوسا كما تعود أن يكون رئيسا، و تم ذلك أيضا بعد التوحيد مع مجموعات أخرى، وأيضا داخل الحزب حيث ترأس الحزب قبله المرحوم الخطيب و العثماني نفسه.
لكن المعضلة التي وجد بعض اعضاء الحزب أنفسهم غير قادرين على تجاوزها هي أن إقصاء بن كيران من رئاسة الحكومة تعني وضع حد لطموحات الحزب في التغيير، لتفرض عليه التدجين و تحويله الى حزب تقليدي يعمل كأداة للمخزن لا أكثر ولا أقل .... وليس هذا لأن العثماني رئيسه. ولكن إسقاط بن كيران وقبول الحزب بها تعني أن الحزب قد رضي بأن "يتمخزن" أحب أم كره .
أما نهج بن كيران فبقدر ما كان إصلاحيا و يصرح دائما أنه يعمل تحت سقف الملكية إلا أن عمق تحركه واسترتيجيته وتكتيكاته رآها المخزن مهددا حقيقيا لسلطته لم يجرأ حزب قبله عليها .....
تلك هي المعضلة وذلك هو عمق الخلاف الذي حصل .... ولم تكن مجرد رغبة بن كيران في التمديد ولا حتى رغبة خصومه في عدم التمديد له ....
خصومه داخل الحزب يحركهم مستقبل التعامل مع المخزن .....
نستطيع ان نقول أن بن كيران و من معه يحاولون إعادة عقارب الساعة للوراء وخصومه يقولون له لم يعد للحزب ما به يعيد الكرة .....
شخصيا ترددت كثيرا في أ أكتب مقالا حول تجربة الحزب وتجربة بن كيران وها أنا أكتب خلاصتها :
ما حدث بإقالة بن كيران وقبوله وقبول الحزب لها هو إعلان نهاية الخيار السياسي للحزب ولبن كيران و تحول الحزب شاء أم أبى إلى حزب مخزني بوجه من الوجوه .... وذلك شرط بقائه ....
ولم يعد ما به يقاوم او يستأنف المقاومة إلا بحدوث تحولات كبرى داخل المغرب أو داخل الاقليم و حتى في تلك اللحظة "شوف وشوف" ...
ذلك أن الحقيقة تقول أن صديقنا بن كيران نفسه قد أعلن وفاة خياره بقبوله بحكم الملك بإقالته، لأنه كما كان قبلها و كما استمر بعدها يقول أنه ليس إلا "خادم الأعتاب الشريفة " حتى وإ لم ينطق بها وتحايل عليها ......
لذلك وفي علاقة بالجدل الذي يدور داخل حركة النهضة في موضوع التمديد لرئيس الحزب أو التمديد في تاريخ المؤتمر، ليس القانون وحده هو ما يحكم المعادلة، و ليس العدالة والتنمية كالنهضة، وليس بن كيران كالغنوشي، وليست تونس كالمغرب .... والذهول عن كل ذلك ينتهي الى نتائج خاطئة في رايي المتواضع .....
تاريخ أول نشر 2020/10/16