search

كيف أتابع الأحداث في سورية؟

بارك الله في أعلام قناة الجزيرة الغراء الذين أطلقوا مبكرا شعار: موضوعيون ولكننا غير محايدين.

هكذا أحاول وأجتهد أن أكون موضوعيا بأقصى قدر ممكن. لست وكالة أنباء تملك من الوسائل والقدرات والتفرغ ما يجعلها تتقصى الأخبار وتفحصها ولا تنشر إلا ما تأكدت من صحته وسلامته وفق شعار : الخبر مقدس والتعليق حر. لكنني أجتهد وأبحث دون أن أستسلم لصحة ما وصلت إليه وإنما أحاول أن لا أنشر إلا ما ترجح لدي صحته.

لذلك أعتمد على مصادر متنوعة وأحرص على نشرها في حسابي كي أمكن من يتابعونه من التعامل مع الخبر ومصدره مباشرة كما أفعل أنا. وهو نفس الأمر عند عرض وجهات النظر. حيث أعتمد على مجموعة من الخبراء والاعلاميين الذين يمكنونني من عرض وجهات نظر مختلفة مرتبطة بتخصصهم وبانتمائهم وموقعهم من الأحداث. حتى ما يمكن أن أطلق عليهم إسلاميين فإنهم لا ينتمون لجهة واحدة ولا لهم خلفية واحدة: فهناك اختلاف بين ياسر الزعاترة وجمال سلطان وياسر أبوهلالة و أحمد رمضان وأحمدموفق زيدان و رفيق عبد السلام وجلال الورغي وغيرهم كثير. ونفس الشيئ مع الخبراء والمحللين الاسلاميين و غير الاسلاميين. أتابع شبكة متنوعة بعضه متأكد من انتمائه وبعضه غير متأكد منه ولكنهم متابعون للحدث ولهم وجهات نظر مختلفة وحريصون على تقديم المعلومات وتحليلها من زاوية إما مستقلة أو معارضة بوضوح للاسلاميين ولكنهم لا يعتمدون التضليل والتشويه وإنما يقدمون وجهة نظرهم ويدافعون عنها ودون أن يقصوا غيرهم .... شبكة واسعة تتجدد ببروز وجهات نظر كنت أجهلها ولكنها في غاية الأهمية في هذا الفضاء الشبكي المذهل ....

لكنني لست محايدا في كل ذلك: فأنا مع الثورة وضد نظام البعث ليس من 2011 بل منذ وعينا وتشكلت ميولنا السياسية، وخاصة منذ ثورة السوريين في الثمانينات والطريقة الوحشية التي واجهها بها نظام حافظ أسد. لذلك وأنا أتابع حملة ردع العدوان في أيامها الأولى اهتز كل كياني عندما تم "فتح" حماة، حماة القصة الدامية التي عشناها في زمن التعتيم الاعلامي ولكنها اخترقت بفضاعتها أسوار النظام البعثي المحكمة وجعلتنا نعيشها وكأننا في جحيمها.

لم أكن محايدا يوما ما مع نظام البعث حتى وهو يوفر لنا نحن الاسلاميين التونسيين ما لم نجده في أي بلد عربي آخر من ملجئ ولو مؤقت.

لم أكن محايدا مع نظام فعل بالسوريين ما فعل، ويريد أن يقنعني بأنه على رأس قوى الممانعة. وكانت تلك أحد أهم نقاط الاختلاف مع المفكر الكبير منير شفيق رغم أن لب وجهة نظره مرتبطة بما يركز عليه في تحليله الاستراتيجي مما يسمية "ميزان القوة".

لم أكن محايدا حتى مع حزب الله في أي يوم من الأيام من هذه الزاوية. وزاد الأمر استفحالا بانخراطه في الاجرام الرهيب الذي سلط على السوريين.

وأقصى ما كنت قادرا على "ابتلاعه" هو "حكم الضرورة" الذي قد يفسر ولا يبرر التبرير المريح لجوء حماس للتعاون مع ما يسمى قوى الممانعة. و لكن الضرورة تقدر بقدرها، ولو كان لحماس خيارا أو خيارات أخرى لما اختارت موقعها الذي اضطرت إليه حتى مع حزب الله.

لسنا ولا يمكن ان نكون محايدين في معركة الحق والباطل متى تبين لنا وجهه، ولا محايدين في معركة الحرية والتحرر ... ولا منزلة بين المنزلتين.

ومع ذلك فأنا أقدر وجهات نظر الآخرين، ما دامت في دائرة الانتصار للمظلومين والحرب على الظالمين. أقدر زوايا النظر المختلفة، وأقبل بالخلفيات الفكرية المختلفة، وأتفهم التباين معها، بل لا أرى في ذلك عيبا وإنما عامل صحة، ما لم يكن تموقعا أعمى يحول الانسان من "مختلف" إلى متواطئ، يجعله يرى التناقض مع العدو الحقيقي تناقضا ثانويا أمام اختلافه مع رفيق الطريق فينزلق - ربما دون أن يشعر - في مستنقع العدو ... عدو الحرية والتحرر والكامة والانسانية.

تاريخ أول نشر 2025/3/10