الإسلاميون كانوا الأسرع مدا لأيديهم نحو فرقاء الوطن من جميع الأطياف ولا زالوا ... عندما كانوا في المعارضة، وعندما أصبح فصيلهم الرئيسي في الحكم ... ومع ذلك لا زال متطرفو الأجنحة الاخرى يوصمونهم بنفس الوصم .
لم يفرض الاسلاميون أنفسهم على أحد ولم يتآمروا على أحد ... وإن اضطروا أمام تخلي التنظيمات الأخرى بل وعجزها أمام تغول النظام الديكتاتوري في نسختي بورقيبة وبن علي إلى الدفاع عن أنفسهم مما يواجههم من استئصال.
كانوا في قلب المحرقة، وكانوا يذبون عن وجوههم وعن ظهورهم نارها القاتلة بما أداه إليه اجتهادهم .
في كل تلك المراحل، وفي كل تلك المحارق، وهم يواجهون كل أشكال القمع، توجهوا للجميع بحثا عن حلول، ولم يرفضوا أي وساطة تنقذ الوطن. لكن التاريخ يذكر أنه في الحالتين اختارت المعارضة طريقين سيئين: طريق الاستسلام للدكتاتورية عند الأغلبية، وطريق المشاركة الفاعلة في الاستئصال من طرف فئة تتصدر الآن المشهد، وتحاكم الاسلاميين على شعبيتهم ونيلهم ثقة الشعب في كل المناسبات بنسب متفاوتة، نتيجة تجربة الحكم وما تمثله من عامل تهرئة، وبالطبيعة نتيجة أخطاء ارتكبت، بسبب سوء الاختيار، وأيضا بسبب سطوة التخذيل والإرباك وقطع الطريق التي يعلمها الجميع. وسيسجلها التاريخ كأعتى عمليات التدمير للوطن، من فئات لم تستطع كسب ثقة الشعب، فاستعملت مقدرات الدولة، بل لم تتورع عن التآمر مع الخارج من أجل معاقبته ( الشعب) على اختياره غيرها.
ومع كل ذلك لا زال الاسلاميون يمدون أيديهم، ويقدمون التضحيات، ويواجهون حملات الأراجيف بالصبر الجميل.
وكلما صبروا أكثر وصمدوا أكثر استعرت نار الحملة عليهم أكثر!
لا يمكن أن تغالطنا كل هذه الحملات، ولا يمكن أن تجعل الاسلاميين يشكون في أنفسهم، ولا يمكن أن يشكوا في جوهر المعركة، ولا في عدوهم الرئيسي الذي هو عدو استقلال البلاد وسيادتها.
لا يحتاج الاسلاميون من أحد ليقول لهم لستم أوصياء على البلد، ولكنهم أيضا لا يقبلون بأن يعتبر البعض أنفسهم أوصياء عليه. تحملوا في الماضي مسؤوليتهم لما كانوا رأس المعارضة، وسيتحملون الآن مسؤوليتهم لما أصبحوا رأس بناء الجمهورية الثانية.
ليس عيبا أن يكونوا أخطأوا في مرحلة البناء كما أخطأوا في مرحلة المعارضة. لكنهم في الحالتين لم يدعوا امتلاك الحقيقة، وفي الحالتين مدوا أيديهم إلى العقلاء من بني وطنهم، وهم لا يشكون في أنهم موجودون في كل الأطياف. لكنهم لن يتنازلوا عن دورهم، ولن يقبلوا دروسا من أحد يعتبرهم ليسوا أهلا للحكم ولا للقيادة، وإنما حسبهم أن يكون لهم عيشة بدون سجون ومنافي! لأن هذا الذي يوزع الوطنية وشهادات الأهلية، ليس إلا أداة يستعملها من لا يريدون لبلدنا أن يخرج من وضع "الحماية".
الاسلاميون هنا، وسيكونون كما كانوا دائما، الأسرع مدا لأيديهم من أجل خير شعبهم وبلدهم، وسيتنازلون كما تنازلوا من قبل لصالح الوطن، كلما كان ذلك مطلوبا، وفي سياق توافق وطني، وتعايش الأحرار، في بلد يسع الجميع، وهو ملك الجميع، وخيره ومستقبله لا يمكن ان يكون إلا بمساهمة الجميع.
تاريخ أول نشر 22\4\2022