search

لا ولن أخجل من ماضي

كيف أخجل أو أندم عن ماضي الذي كنت فيه صادقا في البحث عن الحق والخير والجمال ؟

وكيف أخجل من شبابي الذي استولت علي فيه احلام العيش في مجتمع العدل والرحمة ودولة الحق والميزان؟

كيف أخجل أو أندم من عنفوان شبابي الذي جعلني لا أبالي العقابيل ولا القي لها بالا ، واندفع بخيال خصب يوهن النظر لشروط الواقع القاهرة المثبطة ؟

وهل التاريخ إلا الحلم والمغامرة واستهجان سطوة الواقع؟

متى حرك العقلانيون وجه التاريخ ؟! متى صير العقلانيون الحلم واقعا ؟!

إنما التاريخ الحلم ... واحتقار الواقع ... وركوب السحاب ... والعيش فوق الاعالي والقمم الشاهقة ... وإنما يموت الحلم ويموت التاريخ عندما يركن الشباب لحسابات العقلانيبن والحكماء .... وتلك علامة استواء المنجز التاريخي والإذن بالنزول من القمم الى السفوح والوهاد للتزاحم حول مساحة حياة الدعة والخمول ....

كنا ثوريين وانقلابيين وجذريين وهل يمكن ان نكون غير ذلك ؟!

لم نكن نسمع كبارنا إلا لماما ... إذ لم يكن يروي اندفاعنا منهم إلا الأقلون .... أولائك الذين "لم يكبروا" رغم تقدمهم في السن ... تعطلت هرموناتهم عن النمو ... وجدنا فيهم سندا ووجدوا فينا أملا يعزيهم في انفراط عقد الأصحاب الذين ركنوا لمنطق "الحكمة" و"حساب العواقب" .... وتلهفوا على توفير متطلبات العيش لتحقيق "جنتهم" التي حلموا بها عندما كانوا شبابا .... فلما أعياهم الحصول عليها كما حلموا بها .... ها هم يجدّون في إقناع أنفسهم ان حلمهم كان أضغاث أحلام .... وأن الجنة الموعودة هي ما يبذلون من شهامتهم ومروءتهم وعزيمتهم وطاقتهم الخلاقة في سبيل عيشة الجسد الفاني والعقل المتكلس مدعي الحكمة والروح الخواء من الإنجذاب للأسمى .... جنة المسكن والعربية والمرأة والاولاد والجاه المفيد للمال والاحتيال على الهمة والجهاد والمجاهدة والصبر والمصابرة ...

كيف اندم على ذلك "الطيش" الذي زرع في الوطن املا وحرك المياه الراكدة ... وهو الذي امد العقول والقلوب بوقود التغيير ورفض الواقع البائس ؟!

ماذا يحدث لو استمعنا لنداءات الآباء والمسؤولين في الدولة والحزب الحاكم ووعاظ السلاطين وجوقة الكتاب والشعراء والاعلاميين الذين يجلدوننا كل يوم بأسواط من "الحكمة الزائفة" ؟؟!! هل كنا سنغير واقعا ؟ هل كنا سنزلزل بنيانا يتداعي ؟

لا يرضى الحالم بانصاف الحلول، ولا يخدع بالحكمة الملتبسة، التي تخفي في طياتها الخوف من المجهول والخوف على الرزق والخوف على انخرام النظام العام ...

سيقول الكثيرون لقد كنا مجرد لعبة في يد قادة أنانيين وفي يد قوى اكبر منا تستعملنا .... لكنني اجزم ان التقاء المصالح لم يكن ليخفي ذكاء الحلم وضمير الاندفاغ وعقل المغامر ... لا بل إنه برغم "خيانات" بعض القادة الذين لا تخلوا منهم المسيرة ... إلا أن يقظة القلب وشفافية الروح تعرف كيف تستخلص قادتها ....

كثيرون سيقولون وماذا حققتم غير الهزائم والانكسارات امام اعدائكم وأمام نفوسكم الخوانة التي استبدلت حلمها الجميل بجنة الأرض الموهومة .... لكنني أقول أن ما انجزناه وفعل فعله في التاريخ تلك "الدفقة الاولى" ... ذلك الايمان الأول النقي ... "وما كان الله ليضيع إيمانكم" ... لسنا خارج سنن الله وسنن التاريخ .... وقد ادينا رسالتنا كما أدى من قبلنا رسالتهم قبل ان يستسلموا لمنطق "الحكمة" الذي لا يفيد إلا سياسة "الواقع الثابت" ... وهل يمكن ان يكون الواقع ثابتا ؟؟؟ فقط هؤلاء "الحكماء" هم من يرونه ثابتا .... ومن "يعلمونهم" ..... من قديم قال ابن خلدون إن التعليم ( والتربية) يقتل العزة والانفة وركوب المخاطر في النفس ....

لذلك أقول للشباب لا تستمعوا لحكمنا البليغة/البليدة .... واكتبوا في صفحات التاريخ أسماءكم ..... وضعوا على أرض الواقع بصماتكم ....واجعلوا سكناكم قمم الجبال..... واحفظوا كنوزكم في اعشاش النسور .....وارقصوا على هزيم الرعود وفرقعة البروق وانفجار الزلازل والبراكين ... هناك فقط تستجيبون لأحلامكم الفطرية ولنداء التاريخ وقرآن المولى الحكيم .... "يا أيها الانسان إنك كادح الى ربك كدحا" ... "فلا اقتحم العقبة ... "

تاريخ أول نشر 10\5\2021