تصريح قيس سعيد حول الفصل السادس من الدستور الذي اعتبره الطيف الليبرالي واليساري احدى العلامات المضيئة في تاريخ تونس ... يواجه بصمت القبور من طرفهم ... ذلك الفصل الذي عندما يذكر اختصارا يقال فصل "حرية الضمير"، والذي بموجبه يحق لكل فرد ان يعتقد ويمارس اعتقاداته وان يغيرها في اي وقت شاء ... هو فصل دسترة الحريات الفردية بالمفهوم الجديد للحريات الفردية، وبالقداسة التي وضعت لها عالميا ... وقد تجلت اولى محاولات تقنينها في مبادرة ما عرف بلجنة بشرى بالحاج احميدة التي لم تجد طريقها للتقنين برغم وقوف الباجي رحمه الله وراءها .
هذا الفصل يهاجم من طرف قيس في اشارة خفية الى ضرورة تغيير الدستور ليس فقط من باب النظام السياسي وانما حتى من باب الحريات ....
ومع ذلك فلا حياة لمن تنادي ... ولو كان من صرح بذلك عضو قاعدي من حركة النهضة في اقصى تراب تونس، لقامت مناحة ومحاكمة لحركة النهضة، كما هي قائمة اليوم ممن لا خلاق لهم من اعلام الكذب والبهتان وآكلي السحت من أموال دافعي الضرائب.
ذلك الفصل الذي قبلته حركة النهضة واستوعبته ضمن تأويلها الاجتهادي وفهمها لمقاصد الشرع، ويرفضه قيس سعيد الذي يطبلون له ويهللون، لا لشيئ الا لكي يريحهم من خصمهم الحقيقي.
لقد عبر قيس سعيد غير ما مرة عن فهم محافظ حتى لا نقول اكثر من ذلك في قضايا اجتماعية وقدم رأيا دينا حرفيا .... ومع ذلك فتلك النخب التي تنتفض مذعورة عندما يصدر راي ما او موقف ما من حركة النهضة او انصارها لا تحرك ساكنا ....
كان الباجي يردد دائما ان تونس دولة مدنية لشعب مسلم، وكان يقول ان الاسلام لا يرفض الديمقراطية وانه بالامكان التعايش بينهما ... وهي اقوال عندما يقولها الاسلاميون تقوم الدنيا ولا تقعد ....
برغم ان هذه العشرية شهدت على المستوى السياسي فوضى وخيبات وانتكاسات انتهت بنا الى انقلاب 25 جويلية ... الا ان الحقيقة التي لن يطمسها التاريخ، ولن يتجاهلها الواقع، وسيكون لها دور في المستقبل، هي ان الاسلاميين ساهموا ووضعوا بصمات لا تمحى في تطوير الخطاب السياسي وفي بناء مفاهيم سياسية وثقافية لا يمكن للمستقبل الا البناء عليها ....
"فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض"
تاريخ أول نشر 2021/8/20